هل يعمل العالم على الوفاء بالتزاماته ووعوده المناخية؟
فيما تستعد الأمم المتحدة لبدء أعمال قمة العمل المناخي المنتظر انعقادها الاثنين 23 سبتمبر 2019 في نيويورك، تثور عدة تساءولات حول مدى التقدم الذي نجح العالم في إحرازه حتى الآن لمعالجة الأزمة المناخية العالمية، وكيف يتم قياس هذا التقدم نحو الهدف.
فمنذ حوالي ثلاث سنوات، اجتمع المجتمع الدولي في مدينة باريس من أجل بناء نهج جماعي مشترك لمكافحة تغير المناخ، وقد اتفقت حكومات العالم في تلك القمة على بذل الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى “أقل بكثير” من مستوى درجتين مئويتين، من الحد الذي كانت عليه في حقبة ما قبل الثورة الصناعية، أو، وإذا أمكن، تثبيتها على مستوى 1.5 درجة مئوية أعلى من تلك الحقبة.
وفي يوليو من ذلك العام، فاقت درجة الحرارة تلك المستويات بـ1.2 درجة مئوية، لتطابق أو حتى تفوق أعلى رقم وصلته أكثر الشهور حرارة، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة عالمياً، وهذا النزوع في ارتفاع الحرارة ما زال ماضياً في التصاعد.
وتشير الأحداث المناخية القاسية، التي نشهدها في مختلف أنحاء العالم، إلى أن الكوكب يمضي نحو قياسات حرارة تمثل “السنوات الخمس الأكثر حرارة على الإطلاق”، وفي هذا التقرير تحاول “جسور 2030” إلقاء نظرة على واحدة من الأدوات الدولية الرئيسية المستخدمة لقياس مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي ما تُسمى بالمساهمات المحددة وطنياً.
ويجب بدايةً التأكيد على أن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، ليس ملزماً لدول العالم بشكل قانوني كامل، فالاتفاق لا يحدد للدول كيف تخفض من الانبعاثات، أو يفرض عليها طرق بناء مرونتها وقدراتها على التكيف مع المناخ، لكنه يشجع الدول على تحديد مساهمتها الوطنية بنفسها.
وتوضح الخطط المناخية الوطنية المساهمات التي وعدت بها كل دولة، وما مقدار الخفض من الانبعاثات الذي قطعته على نفسها، واعترافاً بأن الدول النامية تفتقر، في كثير من الأحيان، إلى الموارد والتمويل والتكنولوجيا الكافية، فإن اتفاق باريس يدعو هذه الدول إلى أن تعلن ما يمكنها المساهمة به من تلقاء نفسها، وما يمكن أن تساهم به، بمساعدة المجتمع الدولي.
ولدى الدول خيارات عديدة للسعي إلى تحقيق أهداف اتفاق باريس، مثل إصدار التشريعات أو إعلان الحوافز المالية وتأسيس السياسات الضريبية، التي تشجع الأنشطة التي تقلل الانبعاثات، فيمكن للدول، مثلاً، أن تفرض تسعيرة على الكربون، عبر إجراء ضريبي أو عن طريق بناء نظام تجاري له.
والمغزى هنا أنه إذا كان لدى الناس فكرة واضحة عن تكلفة التلوث الكربوني، فإنهم سيستثمرون وينفقون في أنواع وقود أقل تكلفة من ناحية ضريبية، وبالنسبة للمواطن العادي، يمكن أن يؤثر ذلك على نوع السيارة، أو نظام التدفئة، أو نظام التبريد الذي يستخدمه في بيته، وكل هذه أمثلة من بين عدد لا يحصى من جوانب الحياة الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه السياسات أن تساعد في تنظيم التنمية في المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، مثل المناطق الساحلية، التي تواجه خطر ارتفاع منسوب مياه البحر.
وبموجب اتفاقية باريس، من المفترض أن تقوم البلدان، كل بضع سنوات، بتحسين وتعضيد قائمة مساهماتها الوطنية الخاصة، حتى تسعى نحو الأهداف المناخية بطموح متصاعد مع مرور الوقت، وتمسى هذه آلية “التعضيد”، وتشير إلى أن المساهمات الأولية التي قُدِمت، لم تكن قريبة بأي حال من الأحوال من المستوى الذي نطمح للوصول إليه، فلو جمعنا حاصل كل المساهمات الوطنية، من كل البلدان، لتخفيض الانبعاثات، سنحقق، في أحسن الأحوال، الثلث فقط مما ينبغي تخفيضه، حسب أهداف باريس.
ولذلك، من المفترض أن تقدم البلدان في عام 2020 تقارير مساهمات وطنية محدّثة ومحسّنة، ومن المهم الاستعداد من الآن، من أجل زيادة الطموح والنهوض بحجم العمل، ولكل هذه الأسباب تنعقد قمة العمل المناخي لعام 2019..
ومن الأسئلة المثارة: هل يبدو المستقبل كله قتامة وبؤساً؟.. معطيات الإجابة على هذا السؤال تقول: “لا ليس كذلك”؛ فالعالم يشهد موجة من العمل، في جميع أنحائه، للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، ومنها محطات ضخمة للطاقة الشمسية يتم بناؤها في المغرب والإمارات العربية المتحدة، بينما تستمد البرتغال معظم طاقتها الآن من المصادر المتجددة، وبشكل متزايد، تجد العديد من البلدان أنها تستطيع تشغيل شبكاتها الوطنية للكهرباء، معتمدة بالكامل على الطاقة المتجددة.
ويفوق الاستثمار في الطاقة المتجددة الآن استثمارات الوقود الأحفوري، وخاصة في البلدان النامية، وقد نجحت العديد من البلدان والأقاليم في فرض تسعيرة الكربون بنجاح، ومع ذلك، فإن خلاصة الإجابة هي أن العالم لا يتحرك بالسرعة الكافية، فالانبعاثات المسجلة عالمياً تتزايد، ودرجات الحرارة في ارتفاع.
وبالنظر إلى ما إذا كانت هناك أقاليم ومناطق تقود الطموح المناخي، يتبين أنه لا توجد منطقة تتفوق بوضوح على أخرى. ولكن هناك دول ومدن تحقق تقدماً كبيراً، فالعديد من البلدان، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية في المحيط الهادئ، أعلنت أنها في طريقها نحو تحقيق الحياد المناخي، أو أنه صار لها “بصمة كربونية نظيفة”.
وبنظرة عملية يتضح أن هذا يعني أن هذه البلدان قادرة على موازنة انبعاثات الكربون، في مجال الصناعة مثلاً، أو حتى بمجرد استخدام السيارة، باستخدام تقنيات إزالة الكربون من الغلاف الجوي، عبر زراعة المزيد من الأشجار الممتصة للكربون مثلاً.. ولكن من المفارقات المحزنة أن هذه البلدان، وهي الأكثر تضرراً من تغير المناخ، لم تساهم أصلاً سوى بالقليل في خلق المشكلة المناخية.
ويتطلب العمل المناخي مزيداً من الاستثمار، وذلك، في كثير من الأحيان، يتطلب تأسيس سياسات حكومية سليمة توفر الحوافز، وقد استثمرت عدة بلدان أخرى، إلى جانب البرتغال، بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، من هذه دول مثل تشيلي وإيرلندا وكينيا وكوستاريكا، كما حققت العديد من الدول الأوروبية تقدماً كبيراً في خفض انبعاثاتها.
وعما إذا كان يمكننا التحرك بشكل أسرع، تظهر الحاجة ملحة إلى فعل قيادي سياسي أكبر، وإلى الإرادة السياسية، حيث أن الاستمرار على نفس الحالة الراهنة سيكون كارثياً، وسيؤدي إلى رفع درجات الحرارة على مستوى العالم بمقدار 3 درجات مئوية، أو أكثر، مع نهاية هذا القرن.
وتظهر القيادة الجريئة، من جانب قادة الحكومات وقطاعات الأعمال والمجتمع المدني، أمر حاسم في تقدم العمل المناخي، ويمكن للناس أيضاً أن يحدثوا فرقاً، فتغيير سلوكياتهم الاستهلاكية مهم جداً في التحرك نحو اقتصادات منخفضة الكربون؛ ولهذا السبب شجعت الأمم المتحدة حملة “إعملوا الآن”، التي تقدم مقترحات بسيطة للخطوات التي يمكننا جميعاً، كأفراد، أن نتخذها في هذا المضمار.
وأخيراً، عند التعرض لسؤال: هل بإمكاننا حل أزمة المناخ؟.. تأتي الإجابة بنعم، فنحن نملك الحلول التي نحتاجها للتصدي لتغير المناخ، لكننا بحاجة إلى استخدام هذه الحلول، ونحن بحاجة إلى تحويل استثماراتنا، من اقتصاد ملوِّث ورمادي، إلى اقتصاد أخضر نظيف، وهناك ما يكفي من المال، كما أننا لدينا التكنولوجيا الكفيلة بذلك؛ والآن نحن بحاجة إلى جعلها في متناول كل الناس، وفي جميع البلدان.