كائنات الأرض تواجه الانقراض.. البداية بمليون نوع
“لم يعد بإمكاننا الاستمرار في تدمير تنوع الحياة، هذه مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة”، كان هذا هو أول تعليق للمدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، أودري أزولاي، على تقرير تم إطلاقه في مقر المنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس، في السادس من مايو الجاري، أظهر أن ما يقرب من مليون نوع من الكائنات الحية للنظام الإيكولوجي للأرض، تواجه خطر الانقراض.
وبينما اعتبر التقرير، وهو أول تقييم عالمي من نوعه منذ عام 2005، أن تأثير البشر على الطبيعة يهدد ما يقرب من مليون نوع من الكائنات بالانقراض خلال عقود، في حين أن الجهور الحالية للحفاظ على موارد الأرض ستفشل على الأرجح، إن لم يتم القيام بعمل جذري، قالت “أزولاي” إن “نتائج هذا التقرير التاريخي لفتت انتباه العالم، وبعد اعتماده لن يتمكن أحد من الإدعاء بأنه لم يعرف”.
ويُعد التقرير، الذي قدِم إلى أكثر من 130 وفدا حكوميا للموافقة عليه في مقر اليونسكو، هو خلاصة عمل 400 خبير من 50 دولة على الأقل، بتنسيق من “المنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية”، الذي يتخذ من بون في ألمانيا مقراً له، وبالإضافة إلى تقديم رؤى شاملة عن حالة الطبيعة والنظم الإيكولوجية، وما توفره الطبيعة للناس، تضمن التقرير أيضاً تقييماً للتقدم المحرز في تحقيق الأهداف الدولية الرئيسية، مثل أهـداف التنمية المستدامة، وأهداف “أيشي” للتنوع البيولوجي، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
وتناول التقرير دراسة 5 دوافع رئيسية “غير مسبوقة” للتغير في التنوع البيولوجي والنظام الإيكولوجي على مدار الـ50 عاماً الماضية، وهي “التغيرات في استخدام الأراضي والبحر، والاستغلال المباشر للكائنات الحية، وتغير المناخ، والتلوث، وغزو الأنواع الغريبة”.
ففيما يتعلق بالحيوانات والنباتات المعرضة للخطر، أكدت الدراسة أن الأنشطة البشرية تهدد عدداً أكبر من الأنواع الآن أكثر من أي وقت مضى، وهي نتيجة تستند إلى حقيقة أن حوالي 25 في المائة من الأنواع في مجموعات النباتات والحيوانات معرضة للخطر، ويدل هذا الأمر على أن حوالي مليون نوع يواجه بالفعل الانقراض، العديد منها خلال عقود، ما لم يتم اتخاذ إجراءات لتقليل شدة دوافع فقدان التنوع البيولوجي، وبدون هذه التدابير، سيحدث تسارع إضافي في المعدل العالمي لانقراض الأنواع، غير أن المعدل الحالي ليس بقليل، إذ أنه أعلى على الأقل بعشرات إلى مئات المرات مما كان عليه في المتوسط على مدى العشرة ملايين سنة الماضية، وفق ما أظهر التقرير.
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد شدد التقرير على أن العديد من الأقارب البرية للمحاصيل اللازمة للأمن الغذائي على المدى الطويل، تفتقر إلى الحماية الفعالة، في حين أن وضع الأقارب البرية للثدييات والطيور المستأنسة يزداد سوءاً، وفي الوقت نفسه، فإن الانخفاض في تنوع المحاصيل المزروعة والأقارب البرية للمحاصيل والسلالات المستأنسة، تعني أن الزراعة ستكون أقل مرونة في مواجهة تغير المناخ والآفات ومسببات الأمراض في المستقبل.
وأوضح التقرير أنه “في الوقت الذي يتم فيه توفير مزيد من الغذاء والطاقة والمواد أكثر من أي وقت مضى للناس في معظم الأماكن، فإن ذلك يتم على نحو متزايد على حساب قدرة الطبيعة على تقديم مثل هذه المساهمات في المستقبل، معتبراً أن “المحيط الحيوي”، الذي تعتمد عليه البشرية ككل، يتراجع بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ البشري.
وفيما يتعلق بمسألة التلوث، فقد أظهر التقرير أنه على الرغم من أن الاتجاهات العالمية مختلفة، إلا أن تلوث الهواء والماء والتربة استمر في الارتفاع في بعض المناطق، مشيراً إلى أن التلوث البلاستيكي البحري، على وجه الخصوص، زاد عشرة أضعاف منذ عام 1980، مما أثر على ما لا يقل عن 267 نوعاً، بما في ذلك 86% من السلاحف البحرية، و44% من الطيور البحرية، و43% من الثدييات البحرية.
ويُعد تقرير التقييم العالمي لعام 2019 بشأن التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، هو الأول من نوعه لدراسة وإدراج المعارف والقضايا والأولويات الأصلية والمحلية، وتتركز مهمته في تعزيز عملية صنع السياسات للاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي ورفاهية الإنسان على المدى الطويل والتنمية المستدامة.
وفي تعليق له على التقرير، شدد رئيس المنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية، السير روبرت واتسون، على أن فقدان الأنواع والنظم الإيكولوجية والتنوع الجيني، هو بالفعل تهديد عالمي لرفاه الإنسان، وأكد أن حماية المساهمات القيمة، التي توفرها الطبيعة للناس، ستكون التحدي الرئيسي لعقود قادمة، ولن تنجح السياسات والجهود والإجراءات، على كل مستوى، إلا عندما تستند إلى أفضل المعارف والأدلة.