اجتماع إقليمي لـ”اليونسكو” يستعرض “أخلاقيات تغير المناخ” بالمنطقة العربية
“المنطقة العربية ستتأثر بشكل كبير جراء التغيرات المناخية”، تحذير أطلقته الكثير من المنظمات الدولية وسط العديد من التقارير التي صدرت عنها مؤخراً، ولعل أبرز الأثار المحتملة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع معدلات هطول الأمطار، وموجات الجفاف الحادة، وغيرها من التهديدات الناجمة عن تغير المناخ، ومن المتوقع أن تتفاوت هذه التأثيرات في أنحاء المنطقة العربية بين المستويين المتوسط والمرتفع، عبر كافة القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي طريقها للتصدي لتلك الأثار، اعتمدت غالبية الدول العربية مجموعة من الإجراءات للحد من تهديدات التغيرات المناخية على الصعيدين الوطني والإقليمي، من ضمنها خطة العمل الإطارية العربية بشأن تغير المناخ 2010 – 2020، والاستراتيجية العربية للحد من الكوارث 2020، إضافة إلى الخطط والاستراتيجيات الوطنية لتغير المناخ، والحد من مخاطر الكوارث، وخطط التكيف الوطنية، كما أن منظمات المجتمع المدني في هذه الدول بدأت هي الأخرى تلعب دوراً حيوياً في تعزيز العمل المناخي.
وعلى الصعيد الدولي، تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” إطلاق “إعلان المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ”، خلال اجتماعات دورتها الـ39 لمؤتمرها العام، الذي عُقد بالعاصمة الفرنسية باريس، في 14 نوفمبر 2017، وهو الإعلان الذي صادقت عليه 195 دولة من أعضاء المنظمة، باعتباره أحد العناصر المكملة للجهود العالمية متعددة الأطراف، الرامية إلى التصدي للتغيرات المناخية، حيث يقدم المبادئ الأخلاقية لوضع السياسات، واتخاذ القرارات والتدابير الأخرى المتعلقة بتغير المناخ، كما يوصي بمجموعة من المسارات لتطبيق هذه المبادئ.
وفي إطار سعيها لتحقيق المواءمة بين العمل المناخي في المنطقة العربية والمبادئ الأخلاقية وسبل تطبيقها، بما في ذلك المبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي، ولتعزيز الأخلاقيات كركيزة أساسية في تطوير إجراءات المجتمع المدني الفاعلة في مجال تغير المناخ، نظم مكتب اليونسكو الإقليمي للعلوم في الدول العربية بالقاهرة، اجتماعاَ إقليمياً على مدار يومي 24 و25 سبتمبر 2018، حول “العمل المناخي المرتكز على الأخلاقيات في المنطقة العربية”، بمشاركة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، من ضمنها الشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد”، والمكتب العربي للشباب والبيئة، وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى، المعنية بقضية التغيرات المناخية.
وقد تضمن اليوم الأول للاجتماع 3 جلسات عمل، الأولى بعنوان “الجوانب الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ.. من الأسس النظرية نحو التطبيق”، تحدثت خلالها الدكتورة إلسا ستّوت، مسؤولة برامج علوم البيئة والأرض بمكتب اليونسكو الإقليمي، عن أسباب الاهتمام بأخلاقيات تغير المناخ، بينما استعرضت جنى البابا، مسؤولة برامج العلوم الإنسانية والاجتماعية، إعلان المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ، والذي يتضمن 18 مادة، و6 مبادئ أخلاقية هي: “درء الضرر، ونهج الوقاية، والإنصاف والعدالة، والتنمية المستدامة، والتضامن، والاستعانة بالمعارف العلمية والحرص على النزاهة العلمية في عملية اتخاذ القرار”، قبل أن يقدم كل من الدكتور عبدالعزيز بلحوجي، مستشار تغير المناخ بمؤسسة “محمد السادس لحماية البيئة” بالمملكة المغربية، والدكتورة فريدة خمار، مديرة البحوث بجامعة “هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا” بالجزائر، قراءة نقدية في إعلان المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ.
واختتمت الجلسة الأولى بمناقشة عامة حول أهمية المنظور الأخلاقي، وكيف يساعد في وضع السياسات واتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لمواجهة تغير المناخ وأضراره، وكذلك أهمية المبادئ الأخلاقية الواردة في إعلان اليونسكو، ومدى ملاءمتها لظروف وأولويات المنطقة العربية، ومدى مراعاة العمل المناخي في المنطقة العربية للمبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ، ولاسيما الواردة ضمن إعلان اليونسكو.
وخلال الجلسة الثانية، التي عُقدت تحت عنوان “درء الأضرار الناجمة عن تغير المناخ وحماية الفئات الهشة”، وأدارها المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زياد عبدالصمد، تحدث الدكتور أشرف نور الدين شلبي، المنسق الإقليمي لشؤون تغير المناخ والأرصاد الجوية بجامعة الدول العربية، عن جهود الجامعة في التعامل مع قضايا تغير المناخ، كما تحدث الدكتور حامد باكير، المستشار الإقليمي للمياه والصرف الصحي بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق المتوسط، عن الحد من مخاطر تغير المناخ على الصحة، فيما تحدث الدكتور محمد عبدالمنعم، خبير تغير المناخ بالمكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، عن التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدة تأثيراته، مع التركيز على حماية المزارعين والأمن الغذائي، ثم قدمت هديل خميس، رئيس قسم تغير المناخ ضمن سلطة جودة البيئة بدولة فلسطين، عرضاً عن تحديات التكيف مع تغير المناخ في فلسطين تحت ظروف الاحتلال.
واختتمت الجلسة بمناقشة حول عدد من التساؤلات، أبرزها من هي الفئات الضعيفة أو الهشة في المنطقة العربية من منظور تغير المناخ، وما هي احتياجاتهم، وما مدى مساهمة سياسات وبرامج التصدي لتغير المناخ في المنطقة العربية في التقليل من المخاطر على الصحة والأمن الغذائي، وما مدى تلبيتها لاحتياجات الفئات الضعيفة، وكذلك ما مدى قدرة البلدان العربية على استباق الأضرار الناجمة عن تغير المناخ واتخاذ التدابير المناسبة والتي تعزز المرونة والقدرة على الصمود.
أما الجلسة الثالثة، فكان عنوانها “إذكاء الوعي العام وتيسير المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتغير المناخ تعزيزاً للإنصاف والعدالة”، وعُقدت برئاسة الدكتور عبدالقادر الخراز، رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة بالجمهورية اليمنية، وتحدث خلالها الدكتور محمد محمود، الخبير الإعلامي ونائب المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد”، عن دور المجتمع المدني في تعزيز الوعي العام حول تغير المناخ وتبسيط المعلومات العلمية وتحفيز مشاركة المرأة والشباب في المنطقة العربية، كما تحدثت دينا سالم، خبيرة برنامج التربية بمكتب “اليونسكو” الإقليمي للعلوم في الدول العربية، عن التعليم في مجال تغير المناخ والمياه والتنمية المستدامة، ثم تحدث طه عميمي، من كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة في المملكة المغربية، عن السياسة الحكومية للملكة بخصوص التغير المناخي والتنمية المستدامة.
وتضمنت المناقشات في ختام الجلسة عدداً من التساؤلات، منها ما مدى مشاركة المرأة والشباب في العمل المناخي في المنطقة، وما هي متطلباته، وما هي عوامل نجاح البرامج التعليمية الرسمية وغير الرسمية من أجل التنمية المستدامة، وما هي احتياجات منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأوساط العلمية في المنطقة العربية لتتمكن من أداء دورها في تعزيز الوعي العام وتبسيط المعلومات العلمية حول تغير المناخ وتحفيز المشاركة المجتمعية في العمل المناخي.
وكذلك تضمن اليوم الثاني للاجتماع 3 جلسات، حيث كان عنوان الجلسة الرابعة “التضامن الدولي في العمل المناخي”، وترأسها محمد علاق، كاتب بوزارة الشؤون الخارجية بالجمهورية الجزائرية، وتحدث خلالها كل من الدكتور أيمن شصلي، رئيس الفريق التفاوضي العربي في اتفاقية تغير المناخ، وعضو مجلس الصندوق الأخضر للمناخ، والدكتور عمر العريني، عضو مجلس الصندوق الأخضر، وعضو مجلس مركز الجنوب، والرئيس الفخري للصندوق متعدد الأطراف، عن التضامن المالي وفرص التمويل الأخضر، بينما تحدث الدكتور أحمد بدر، المدير التنفيذي بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، عن التضامن العلمي والتكنولوجي، ونقل وتوطين التكنولوجيات الخضراء.
واختتمت الجلسة بمناقشة مفتوحة حول ما مدى توافق شروط التمويل الدولي الأخضر مع المبادئ الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ، وكيف تستفيد الدول العربية من إعلان المبادئ الأخلاقية لتحسين موقفها التفاوضي وفرص الاستفادة من التمويل الأخضر، وكيف نعزز تشاطر الدول العربية للمعارف العلمية والتكنولوجية في البلدان المتقدمة تشاطراً منصفاً، وما هي متطلبات التعاون العلمي والتكنولوجي في مجال تغير المناخ، وكيف نُحسن مستوى توفرها في الدول العربية.
الجلسة الخامسة ترأسها الدكتور عمر مصطفى الخضر، وكيل وزارة البيئة والموارد الطبيعية والتنمية بجمهورية السودان، وكان عنوانها “المعرفة العلمية كأساس لاتخاذ القرارات المتعلقة بتغير المناخ”، وتحدث فيها الدكتور طارق صادق، من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، عن التقييمات العلمية لتغير المناخ في المنطقة العربية، كما تحدثت الدكتورة نجاة صليبا، أستاذ الكيمياء التحليلية بالجامعة الأمريكية في بيروت، عن تعزيز الترابط بين سياسات تغير المناخ والبحوث العلمية المتعددة التخصصات، ثم قدم الدكتور بهاء درويش، أستاذ الفلسفة بجامعة المنيا، ورقة عمل حول أخلاقيات ونزاهة العلوم أساس لسياسات عامة سليمة.
ومن التساؤلات التي أثيرت خلال المناقشات المفتوحة في ختام الجلسة، ما هي الفجوات المعرفية في المنطقة في مجال تغير المناخ والآليات المتاحة لجسرها، وما هي الآليات المتبعة في الدول العربية لضمان الاستفادة بأفضل المعارف والبيانات العلمية المتاحة في رسم سياسات التصدي لتغير المناخ، وما هي المعوقات أمامها، وما هو دور الجامعات في هذه العملية، وما هي المبادئ الأخلاقية للعلوم والتكنولوجيا والآليات المتبعة في البلدان العربية لضمان الالتزام بها، وكيف نضمن علماً مناخياً يفي بمعايير النزاهة.
أما الجلسة الختامية للاجتماع، فقد كان عنوانها “حوار حول تعزيز العمل المناخي المرتكز إلى الأخلاقيات في المنطقة العربية – الاحتياجات والإجراءات المطلوبة”، وترأسها الدكتور غيث فريز، مدير مكتب اليونسكو الإقليمي للعلوم في الدول العربية، وتحدث فيها الدكتور جورج نصر، مستشار اليونسكو، عن العمل المناخي في المنطقة العربية وتوافقه مع المبادئ الأخلاقية، في ضوء نتائج التقييم الأولي الذي أعدته اليونسكو، ثم جرت مناقشة مفتوحة حول ملامح المشروع الإقليمي المقترح لتعزيز العمل المناخي المرتكز إلى الأخلاقيات في المنطقة العربية، واختتمت فعاليات اللقاء باستعراض عدد من الملاحظات الختامية والخطوات المستقبلية.