Arab Network for Environment and Development

EN AR
EN AR
ذهب وفضة وبرونز بلمسة يابانية.. ميداليات أولمبياد طوكيو من نفايات إلكترونية

ذهب وفضة وبرونز بلمسة يابانية.. ميداليات أولمبياد طوكيو من نفايات إلكترونية

 على مدار العديد من السنوات، أصبح اسم اليابان مرادفاُ للإبداع والابتكار، لدرجة أن البعض يطلق على الدولة الآسيوية اسم «كوكب اليابان»، وقد حافظت على سمعتها المتفردة في عالم الابتكارات عن طريق لمسة عبقرية على ميداليات دورة الألعاب الأولمبية «طوكيو 2020»، التي أقيمت خلال شهري يوليو وأغسطس 2021، لاعتبارات فرضتها «جائحة كورونا».

ففي شهر أبريل من عام 2017، أي بعد نحو 4 سنوات من إعلان فوزها بحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية، أطلقت اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو دعوة لجموع اليابانيين من أجل التبرع بنفاياتهم الإلكترونية، حيث طلبت من مواطنيها التبرع بأجهزة الهواتف والحواسيب المحمولة القديمة لصالح الأولمبياد.

وبهذا تمكنت اليابان من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولها التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية المهملة، وثانياً توفير الميداليات للعرس الرياضي الأضخم في العالم، فضلاً عن تقديم نموذج جديد للعالم عما يمكن أن تمثله النفايات من قيمة كبيرة، وذلك عبر إعادة تدوير تلك الأجهزة، واستخراج ما تحتويه من معادن ثمينة، حتى تمكنت اليابان من صنع ميداليات دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها.

ورغم حقيقة أن النفايات الإلكترونية، وما تحويه من بطاريات وأسلاك وغيرها من مكونات سامة، باتت الرافد الأسرع تضخماً بين النفايات المنزلية في العالم، فإن النفايات الإلكترونية، على شدة سميتها وخطورتها، تُعد منجماً مهملاً يخفي ذهباً ومعادن أخرى نفيسة، بانتظار من يكتشفها.

ولقيت دعوة لجنة أولمبياد طوكيو إقبالاً كبيراً من اليابانيين، الذين وصل حجم تبرعاتهم إلى نحو 6 ملايين و210 آلاف هاتف محمول قديم، حتى أن العديد من متاجر الإلكترونيات والمدارس تبرعت بما لديها من أجهزة إلكترونية قديمة، حيث وضعوا تبرعاتهم داخل صناديق صفراء في مكاتب البريد، أو على جوانب بعض الشوارع.

ومن خلال إعادة تدوير هذه الكمية الكبيرة من المخلفات الإلكترونية، حصلت اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية على عشرات الكيلوجرامات من الذهب، ومئات الكيلوجرامات من الفضة، وآلاف الكيلوجرامات من البرونز، وهي المواد التي استخدمت في صنع الميداليات الأولمبية.

وبحسب ما أوردت تقارير إعلامية عن وكالة الأنباء الفرنسية، فقد تمكنت اللجنة المنظمة من تصنيع 4 آلاف ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية، جميعها من معادن تم الحصول عليها من كمية كبيرة من المخلفات الإلكترونية، تبلغ حوالي 79 ألف طن من الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك أجهزة الهواتف والكمبيوتر المحمولة، وأجهزة ألعاب الفيديو، والكاميرات الرقمية.

وبينما تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن إنتاج العالم من النفايات الإلكترونية في عام 2016، بلغ ما يقدر بنحو 44.7 مليون طن، وهو رقم يتزايد بمعدل يتراوح بين 3 و4% سنوياً، فقد جاءت اللمسة اليابانية لتمنح العالم بارقة أمل جديدة بنجاح جهود التخلص من النفايات الإلكترونية، خاصةً وأن إدمان البشر للإلكترونيات يهدد بإغراق مجتمعاتنا بكميات كبيرة من الأجهزة التي لم يعد لها أي نفع، وسط توقعات بأن حجم النفايات الإلكترونية المتوقع هذا العام 2021، قد يزيد على 52 مليون طن.

وفي محاولة لتوضيح ضخامة هذه الكمية من النفايات الإلكترونية، وصفت صحيفة «العين» الإماراتية، في تقرير لها، الأمر بأنه أشبه بطابور من الشاحنات العملاقة، يضم حوالي مليون و230 ألف شاحنة، حمولة كل منها 40 طناً، تصفان على طول حارتي طريق يمتد من سنغافورة شرقاً إلى باريس غرباً.

وبخلاف ما تشكله النفايات الإلكترونية السامة من خطر شديد نتيجة تلوث المياه والتربة، إذا لم يتم معالجتها بطريقة صحيحة، فإن عدم الاستفادة من هذه النفايات يمثل أيضاً إهداراً لكميات كبيرة من الخامات الطبيعية، تعاني كثيراً من البلدان بسبب نقصها، وعن ذلك، قال روديغر كير، خبير النفايات الإلكترونية بجامعة الأمم المتحدة، إن اليابان من تلك البلدان التي تفتقر للموارد الطبيعية، وليس أمامها سبيل آخر للحصول على هذه المواد الثمينة والنادرة، غير استخلاصها من النفايات.

وليست هذه المرة الأولى التي تحوي الميداليات الأولمبية معادن تم الحصول عليها من نفايات إلكترونية تم إعادة تدويرها، ففي دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو بالبرازيل، عام 2016، جاء قرابة 30% من الفضة المستخدمة من نفايات المرايا واللحام وصفائح أشعة إكس، و40% من النحاس الداخل في سبك البرونز، من نفايات صك العملة، وفي أولمبياد فانكوفر الشتوية عام 2010، كانت البداية رمزية بنسبة 1.5% من الميداليات من مواد أعيد تدويرها، وكان مصدرها من بلجيكا.

إلا أن مبادرة اولمبياد طوكيو 2020 تُعد فريدة من نوعها لسببين، أولهما لأن الميداليات جميعها من المواد المعاد تدويرها بنسبة 100%، وثانيهما لاعتمادها بالكامل على النفايات الواردة من اليابان، البلد المضيف لدورة الألعاب الأولمبية.

ووفق خبراء في إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، فإنه يمكن استخلاص جرام من الذهب من نحو 35 إلى 40 هاتفاً محمولاً، أي سُدس الجرامات الستة التي تشترط اللجنة الأولمبية الدولية احتواء الميدالية الذهبية الواحدة عليها، والباقي من الفضة.