مرحب شهر الصوم مرحب.. لياليك عادت بأمان
بعد إنتظارنا وشوقنا إليك.. جيت يا رمضان
هكذا هي حالة التوق والشوق لأجمل أيام العام رمضان المعظم أعاده الله علينا وعليكم وعلى الإنسانية دوماً باليمن والبركات.
ويهل رمضان هذا العام وجسد الأمة العربية لايزال ينزف في كثير من مواضعه.. من سوريا الشهباء، إلى ليبيا، إلى اليمن الذي كان سعيداً.. يأتي الشهر الفضيل و الإرهاب لازال مستشرياً، وأطراف المؤامرة الخارجية لا يملون من مواصلة الضغط الإقتصادي علينا وتجويع شعوبنا.
والسؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا المشهد الدراماتيكي ، ماذا نحن فاعلون؟ وما هو السيبل للتوائم مع هذا الواقع المؤلم؟
و أتصور أن أبجديات المنطق تحتم علينا أولاً الوعي الكامل بكل تفاصيل ما يحدث حولنا ولنا ومعنا، بعدها وقبلها الإعتصام بحبل الله وتقوية حالة الوحدة والإلتفاف والتعاضد فيما بيننا، ثم العمل والجهد فقط هما السبيل إلى الخروج من هذه الدائرة الجهنمية.
لذا فإن الشهر الفضيل هو فرصة كبيرة لنا لتحقيق هذه الغايات، ولابد لنا من إستثمار حالة السكينة والقرب من الله عز وجل في أن نمعن في تأملاتنا في كل ما حولنا وكل مانعانيه.
فالتأمل يفي بالعديد من الإحتياجات المختلفة للبشر والتي يتوقون إلى تحقيقها من خلاله.. فبعض الناس يقصد التأمل من أجل الوصول إلى السلام النفسي، وبعضهم يسعى إليه للتمكن من السيطرة على النفس بصورة أفضل، والبعض الآخر يستهدف تقوية قدراته الذاتية، وشريحة أخرى تأمل في الوصول إلى السكينة والهدوء.
لكن في معظم الأحيان يتوجه الناس إلى التأمل من أجل الحصول على السلام وراحة البال.
وقد يبدو أن المعنيين متطابقين للسلام وراحة البال، ولكننا إن دققنا النظر سنجد أن السلام دوماً تجربة آنية، أما راحة البال فهو إسلوب حياة.. فكلنا حظى بتجربة سلام في وقت ما من حياته، ولكنها عادة تجارب عابرة.
فالشعور بحالة سلام ليس بالأمر الصعب، ويمكننا أن نحصل عليها بسهولة من خلال تطبيق أساليب وتقنيات التأمل التي وضعت أساساً من أجل هذا الهدف.
أما راحة البال فهي تعبير عن الرغبة في تحقيق تجربة سلام متواصلة مرافقة للإنسان بصورة دائمة أثناء ممارسته لحياته اليومية، والتي تمكنه من السيطرة على نفسه طوال الوقت، فما جدوى ممارسة التأمل إذا لم ينعكس على الحياة العملية!
فمن الهام جداً ترجمة مشاعر السلام التي نكتسبها أثناء التأمل إلى إسلوب حياة مستمر يرافقنا في مسيرة حياتنا وينعكس على ردود أفعالنا وتصرفاتنا وبالتالي نحصل على راحة البال والسلام الدائمين.
والتأمل مجرد طريقة نتبعها لنعرف ذواتنا بشكل كامل، أي أن أعرف من أنا من الداخل وكيف أتفاعل مع العالم الخارجي، وأن أستمتع بعلاقتي مع نفسي من خلال التأمل، وأن أكتشف حقيقة إختلافي عن ذلك الشخص المرهق والمضطرب الذي قد يبدو ظاهرياً أنه أنا.
التأمل يجعلنا ندرك طبائعنا الحقيقية وأنها تتمتع بإيجابية عالية.. لذا لابد وأن نسعى دوماً إلى إكتشاف محيط السلام الذي يكمن في أعماقنا دون الحاجة إلى أن نخطو أي خطوة خارج نفوسنا.
فالتفكير الإيجابي هو توظيف أفكارنا ورؤانا بصورة صحيحة دون إنكار أو تجاوز.
وما أحوجنا إلى التأمل في رمضان، فالجو الروحاني والسكينة النفسية، وقربنا من الله، كلها آليات لإكتشاف ذواتنا وتفعيل علاقتنا بخالقنا للوصول إلى حالة من السلام والسكينة وفي المنتهى الرضا، فالرضا هو زاد وزواد الإنسان أياً ما كان دينه أو عقيدته.
والرضا الطموح المقرون بالعمل وبذل الجهد هو ما أمرنا به الله عزوجل، وهو طريق النهوض وتجاوز كبوات الأمة الكثيرة.
إنا مقدمون على شهر كريم عظيم اللهم بلغنا إياه أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
اللهم أكرمنا بهذه الكرامات الإلهية وأعتقنا من النار، فالعبادة الصادقة تأمل، والصدقات أحد أهم آليات التأمل، والفعل الإيجابي خلال هذا الشهر الفضيل تأمل، وكلها هي الطريق إلى السلام وراحة البال.
اللهم أكرمنا في هذا الشهر المبارك وأعنا على عبادتك وحسن طاعتك واجعلنا من عتقاء النار برحمتك يا أرحم الراحمين.
إن رمضان لهو مخرج ومنجاة عظيمة لو تعلمون
كل عام والإنسانية جمعاء بكل خير
بقلم
نـائب المنســق العـــام
دكتور/ محمد محمود