سباق مع الزمن لإنتاج أول دواء يقضى على فيروس «كورونا» (2)
«الصحة العالمية» تطلق برنامج «التضامن» لاختبار 4 مضادات للفيروس من بين 150 عقاراً
«ريمديسفير» أمل المختبرات رغم فشله في علاج «إيبولا».. ووقف تجارب «كلوروكين» مبكراً
مع استمرار فيروس «كورونا» في حصد مزيد من الضحايا حول العالم يومياً، وتجاوز الوفيات الناجمة عن الإصابة بذلك الفيروس الصغير، أكثر من 315 ألف حالة، حتى الأسبوع الأخير من مايو 2020، يبدو أن السباق مع الزمن، الذي يخوضه العلماء في المختبرات الطبية، للتوصل إلى عقار فعال مضاد للفيروس التاجي «كوفيد-19»، أصبح أكثر احتداماً.. وقد استعرضت «جسور 2030»، في تقرير سابق، شكل وطبيعة الصراع الذي يجري داخل جسم المصاب بين الفيروس والجهاز المناعي، وهو الصراع الذي تحسم نتيجته الخيارات المتاحة أمام الأطباء، وتستكمل في هذا التقرير عرض بعض الأدوية والعقاقير التي يجري تجربتها على المصابين، ومدى فعالية كل منها في القضاء على ذلك الوباء، الذي يجتاح العالم.
وتتركز الاختبارات والبحوث الجارية في العديد من دول العالم على أكثر من 150 عقاراً مختلفاً، معظمها أدوية سبق استخدامها بالفعل في علاج بعض الأمراض الأخرى، لتقييم إمكانية استخدامها ضد فيروس «كورونا»، في الوقت الذي أطلقت فيه منظمة الصحة العالمية برنامج اختبارات، تحت اسم «التضامن»، بهدف الوصول إلى تقييم أفضل للعلاجات الواعدة، بينما أعلنت بريطانيا عن تطبيق برنامج اختبارات باسم «التعافي»، وصفته بأنه الأكبر على مستوى العالم، حيث يشارك فيه أكثر من 5 آلاف مريض، في الوقت الذي تحاول فيه مراكز البحوث في مختلف دول العالم، استخدام “بلازما” مستخلصة من دماء المصابين الذين تعافوا من الفيروس، كأسلوب للعلاج، أثبت فعاليته مع بعض الحالات.
وتندرج العقاقير التي يجري تجربتها، وأثبتت نجاحات نسبية، تحت 3 فئات عامة، الأولى تتعلق بالأدوية المضادة للفيروسات، والتي تهاجم قدرة الفيروس على التكاثر داخل جسم المصاب بشكل مباشر، والفئة الثانية تشمل الأدوية التي بإمكانها تهدئة الجهاز المناعي، حيث أن حالات الكثيرين من المصابين يمكن أن تتدهور إلى حد خطير، عندما يرد جهاز المناعة بشكل مفرط على الفيروس، مما يسبب أضراراً جانبية خطيرة قد تؤدي إلى تلف أجهزة الجسم، أما الفئة الثالثة من الأدوية فتتضمن الأجسام المضادة، سواء التي يتم استخلاصها من دماء الناجين من الإصابة، أو تصنيعها داخل المختبرات، ويمكن لهذه الأجسام مهاجمة الفيروس، وتمثل أملاً كبيراً في شفاء العديد من المصابين.
«ريمديسفير».. نتائج واعدة ولكن متواضعة
ويُعد عقار «ريمديسفير» (Remdesivir) أحد 4 عقاقير يجري تجربتها على نطاق واسع، ضمن برنامج اختبارات «التضامن»، الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية، حتى أن العديد من الدول بدأت استخدامه في علاج المصابين بفيروس «كورونا»، بعد أن توصل المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية إلى أن العقار، الذي تم إنتاجه في الأصل لعلاج المصابين بفيروس «إيبولا»، يساعد في تقليل فترة العلاج لمدة تتراوح بين 11 و15 يوماً، حيث يمكنه تأخير ظهور الأعراض على المصابين، وفقاً لنتائج تجارب سريرية في عدد من المستشفيات داخل الولايات المتحدة وخارجها، ورغم أن تلك التجارب أعطت نتائج مشجعة، إلى حد كبير، تساعد على تماثل المرضى للشفاء، وربما تجنبهم دخول وحدات العناية الفائقة، فإن الاختبارات لم تظهر أي مؤشرات على أن العقار يمكنه إنقاذ مصابي «كورونا» من خطر الموت.
وبينما حصل عقار «ريمديسفير» على التراخيص والاعتمادات اللازمة لبدء استخدامه على المصابين بفيروس «كورونا» في «الحالات الطارئة»، فقد أثيرت بعض الشكوك حول مدى فاعليته، استندت معظمها إلى دراسة صينية خلصت إلى عدم فعالية العقار، بالإضافة إلى الشكوك السابقة، التي أحاطت بالعقار أثناء استخدامه في علاج فيروس «إيبولا»، حيث لم يتمكن من تعزيز معدلات بقاء المصابين بذلك الفيروس على قيد الحياة، مقارنةً ببعض الأدوية الأخرى، التي كانت أكثر فاعلية، وبينما اعتبر المعهد الأمريكي للأمراض المعدية أن نتائج التجارب التي أجريت على عقار «ريمديسفير» جاءت «إيجابية ولكنها متواضعة»، فقد أكد أن المصابين الذين تم حقنهم بالعقار تعافوا أسرع بنسبة 13% مقارنةً بغيرهم من المرضى الذين تم حقنهم بأدوية أخرى «وهمية» ضمن التجارب.
«كلوروكين».. لا توجد أدلة جازمة
ومن العقاقير الأخرى التي يجري تجربتها ضمن برنامج «التضامن»، واختبارات «التعافي»، الذي أطلقته الحكومة البريطانية، تأتي أدوية «كلوروكين» (Chloroquine)، و«هيدروكسي كلوروكين» (HCQ))، ويباع تحت اسم العلامة التجارية (Plaquenil)، وهما من العقاقير المضادة لطفيلي «الملاريا»، حيث أظهرت التجارب قدرتهما على محاربة الفيروسات وتهدئة الجهاز المناعي، كما أن العقار الأخير أثبت فاعليته في علاج مرض «التهاب المفاصل الروماتويدي»، بسبب قدرته على المساعدة في تنظيم عمل جهاز المناعة، وبينما أثبتت التجارب المختبرية قدرة العقارين على كبح انتشار فيروس «كورونا»، إلا أن منظمة الصحة العالمية أكدت عدم وجود «أدلة موثقة وجازمة»، حتى الآن، تفيد بفاعليتهما في شفاء المصابين بالفيروس المستجد «كوفيد-19».
ويُعد «كلوروكين» مشابهاً لـ«هيدروكسي كلوروكين»، ولكن الثاني يتميز بأنه «مشتق أقل سمية»، إلا أنهما قد يسببان أضراراً بالغة عند استخدامهما لعلاج المصابين بفيروس «كورونا»، خاصةً لمن يعانون من أمراض في القلب، حيث أظهرت تجارب أولية على عدد من المصابين في البرازيل أن الجرعات العالية من دواء «كلوروكين» كانت مرتبطة بنوع حاد من عدم انتظام ضربات القلب، وقررت الحكومة البرازيلية وقف التجارب بعد وفاة عدد من المرضى، كما أصدرت الحكومة السويدية توجيهات إلى الأطباء بعدم استخدام عقار «كلوروكين» في علاج مرضى «كورونا» خارج التجارب السريرية، وأكدت أن هذه التوجيهات تنطبق أيضاً على عقار «هيدروكسي كلوروكين».
مضادات «الإيدز».. النتائج مخيبة
ومن ضمن الأدوية التي يجري اختبارها على عدد من المرضى المصابين بفيروس «كورونا»، وإن كانت النتائج «غير مشجعة»، بعض العقاقير المستخدمة في علاج المصابين بفيروس «الإيدز» (HIV)، المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة، من ضمنها خليط من عقاري «لوبينافير» (Lopinavir) و«ريتونافير» (Ritonavir)، ويمكن إضافة عقار «بيتا إنترفيرون» (Beta-Interferon) لهذا الخليط، وهو عبارة عن بروتينات تنتجها الخلايا الليمفاوية ترتبط بالخلايا السليمة، وتحفزها على إنتاج مضادات للفيروس، ورغم بعض الدلائل التي أثبتت نجاح هذا الخليط في التجارب داخل المختبرات، إلا أن نتائج التجارب السريرية على المصابين جاءت «مخيبة للآمال»، حيث لم يظهر المركب أي فاعلية فيما يتعلق بفرص تماثل المرضى للشفاء، كما لم يساعد في تقليل حالات الوفاة.
كما يشمل برنامج اختبارات «التضامن» إجراء تجارب منفصلة على مادة «بيتا إنترفيرون»، وهي من مجموعة من المواد الكيميائية تحفز الجسم على إفراز مضادات للفيروسات، وتُستخدم في علاج أمراض الجهاز المناعي، خاصةً المصابين بمرض «التصلب المتعدد»، وأظهرت التجارب قدرتها على حماية خلايا الجهاز التنفسي السفلي من العدوى الحادة الناتجة عن بعض الفيروسات التنفسية، وتشمل الفيروسات التاجية، مثل «كورونا» و«سارس»، كما أثبتت التجارب أن مركبات «إنترفيرون» تعمل على تحسين فرص شفاء المصابين بأمراض «الربو» و«الانسداد الرئوي المزمن»، وعلاج المرضى الذين يعانون من التهابات رئوية أخرى، مثل «الأنفلونزا».
ويشمل برنامج “التعافي”، في بريطانيا، عقار «ديكساميثازون» (Dexamethasone)، وهو نوع من «الستيرويدات» (Steroid)، مثل «الكورتيزون»، المستخدمة في علاج بعض الأمراض السرطانية، وفي تخفيف حدة الالتهابات، ولكن لا توجد دراسات، حتى الآن، نثبت فعالية العقار في علاج المصابين بفيروس «كوفيد-19»، ولكن تم اختباره على المرضى الذين يعانون من «متلازمة الشرق الأوسط التنفسية» و«سارس»، وهما فيروسان تاجيان مختلفان، كما وجدت دراسات أخرى أن الفيروس لا يزال موجوداً في مرضى «سارس»، الذين تناولوا الأدوية لمدة تصل إلى 3 أسابيع بعد الإصابة، وغالباً ما يستخدم الأطباء «الستيرويدات» لتقليل الالتهابات الرئوية للمصابين بالفيروسات التاجية.
المضادات الحيوية.. «تاميفلو» الأكثر شيوعاً
كما تشمل التجارب، سواء السريرية أو داخل المختبرات، بعض أنواع من المضادات الحيوية، مثل عقار «سيفترياكسون» (Ceftriaxone)، من عائلة «السيفالوسبورين» (Cephalosporin)، المستخدمة في علاج أنواع العدوى البكتيرية، بما في ذلك الأشكال الحادة منها، أو التي تهدد الحياة، مثل «التهاب السحايا»، كما أنها تُستخدم لمنع العدوى في الأشخاص الذين يخضعون لأنواع معينة من الجراحة، ولكن لم تثبت التجارب، حتى الآن، فاعلية العقار في علاج المصابين بفيروس «كورونا»، وكذلك عقار «ماكروليد» (Macrolide)، وهو مجموعة من المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج الالتهاب الرئوي، والتهابات الجهاز التنفسي، وأثبتت فاعليتها في علاج نوبات «الإنفلونزا» الخطيرة.
ويُعد مضاد الفيروسات «أوسيلتاميفير» (Oseltamivir)، المعروف على نطاق واسع بالاسم التجاري «تاميفلو» (Tamiflu)، الأكثر شيوعاً في علاج أنواع مختلفة من «الإنفلونزا»، وينصح به للأشخاص الذين يعانون من مضاعفات، أو المعرضين لخطر الإصابة بمضاعفات في غضون 48 ساعة من الأعراض الأولى للعدوى، وأظهرت التجارب الأولية قدرة العقار على كبح تكاثر فيروس «كورونا»، إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى بعض التأثيرات الجانبية للعقار على المرضى الذين يعانون خللاً في وظائف الكبد، وكذلك على الأطفال.
«بلازما المتعافين».. قيد التقييم
أظهر استخدام «بلازما» مستخلصة من المتعافين الذين تمكنوا من قهر فيروس «كورونا»، بعض النجاحات في علاج غيرهم من المصابين، إلا أن النتائج النهائية لاستخدام هذه البروتينات المضادة للفيروس، التي يفرزها الجهاز المناعي للمصاب كرد فعل على إصابته بالعدوى، في وقف انتشار الفيروس، مازالت قيد التقييم، واستخدمت بعض الفرق الطبية في الولايات المتحدة ما أسمتها «بلازما النقاهة»، في علاج نحو 500 مريض من المصابين بفيروس «كورونا»، وبدأت بعض الدول في تطليق تجارب مماثلة، كما أوصى فريق من الأطباء في كلية «جون هوبكنز» للصحة العامة بإنشاء «بنك بلازما» مخصص لعلاج حالات الإصابة بفيروس «كوفيد-19»، من خلال توفير أجسام مضادة من المتعافين لغيرهم من المرضى، حيث يمكن للناجي الواحد التبرع بـ«بلازما» تكفي لإنقاذ اثنين من المرضى.
كما طلبت الهيئة الوطنية للتأمين الصحي في بريطانيا من بعض المتعافين من فيروس «كورونا» التبرع بالدم، لمعرفة ما إذا كان من الممكن نقل بعض «البلازما» لديهم إلى المصابين الذين مازالوا يخضعون للعلاج، وأكدت الهيئة في بيان لها، أن جميع التجارب يجب أن تتبع عملية موافقة صارمة، لحماية المرضى، ولضمان الحصول على نتائج أكثر فاعلية، ولفتت إلى أنها تعمل عن قرب مع الحكومة والهيئات المعنية الأخرى، للحصول على الموافقات اللازمة، وبدء العمل في نقل «البلازما» للمصابين بأقصى سرعة.