+20225161519 [email protected]

الاقتصادات العربية تئن تحت وطأة “كورونا”.. شبح الفقر يهدد الملايين

في الوقت الذي بدأ فيه العالم يلتقط أنفاسه قليلاً، وسط أنباء متداولة عن بداية انحسار “جائحة كورونا”، ذلك الفيروس الصغير الذي أثار حالة من الهلع اجتاحت جميع أرجاء المعمورة على مدار أكثر من أربعة شهور، بدت المعاناة كبيرة في كثير من الدول العربية، ليس فقط على مستوى الإصابات والوفيات الناجمة عن تلك الجائحة، وإنما على مستوى القطاعات الاقتصادية، التي تضررت كثيراً نتيجة إجراءات مجابهة الفيروس، مما أدى إلى عواقب وخيمة أضرت بسبل العيش لمختلف الشعوب العربية.

وبحسب دراسة حديثة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، مطلع شهر أبريل الماضي، حول الأثار والتداعيات الناجمة عن انتشار الفيروس المستجد “كوفيد-19” في دول المنطقة، فإن أكثر من 8.3 مليون شخص قد انضموا بالفعل إلى “قوافل الفقراء”، نتيجة تضررهم بالتداعيات التي خلفها الفيروس، الأمر الذي يرفع عدد من سقطوا بالفعل في “براثن الفقر” بمختلف الدول العربية، إلى ما يقرب من 101 مليون و400 ألف شخص.

كما حذرت اللجنة الأممية من تفاقم مشكلات الجوع بين الشعوب العربية، نتيجة زيادة أعداد من يعانون سوء أو نقص التغذية في المنطقة العربية، بأكثر من مليوني شخص، نتيجة تلك الجائحة العالمية، ليرتفع العدد الإجمالي لمن يعانون نقص التغذية في مختلف الدول العربية إلى أكثر من 52 مليون شخص.

ومن المتوقع أن يُطال غياب الحد الأدنى للحماية الاجتماعية في بعض البلدان العربية، والتغطية غير الشاملة لنُظُم الحماية، الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، التي تفتقر إلى أبسط مكونات الصمود خلال تفشّي الوباء، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، ويؤثر على الأمن الغذائي في العديد من البلدان العربية، بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية.

كما لفتت الدراسة إلى أن الدول العربية تفقد حوالي 60 مليار دولار سنوياً، بسبب فقدان الأغذية وهدرها، مشيرةً إلى أن الحدّ من هاتين الظاهرتين بنسبة 50 في المائة، قد يزيد دخل الأسر المعيشية بما لا يقلّ عن 20 مليار دولار، ويُمكّن المنطقة من تحسين مستوى توفر الأغذية إلى حد كبير، وتخفيض الواردات من الأغذية، وتحسين الموازين التجارية.

وفي أول تقييم اقتصادي للخسائر الناجمة عن وباء “كورونا” في المنطقة العربية، توقعت “الإسكوا” تراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال العام 2020 بما لا يقل عن 42 مليار دولار، وحذرت من أن هذا الرقم مرشح للارتفاع، نتيجةً للآثار المضاعفة لانخفاض أسعار النفط، والتباطؤ الاقتصادي الكبير الناجم من إغلاق مؤسسات القطاع العام والخاص، مشيرةً إلى أنه كلّما طالت فترة الإغلاق تفاقمت العواقب المترتبة على اقتصادات المنطقة.

ورجح التقييم أن تخسر المنطقة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، مع ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 نقطة مئوية، وخلافًا لآثار الأزمة المالية العالمية في عام 2008، من المتوقع أن تتأثر فرص العمل في جميع القطاعات، وفي مقدمتها قطاع الخدمات، وهو المصدر الرئيسي لفرص العمل في المنطقة العربية، والذي سيكون أكثر القطاعات تعرّضاً لآثار “التباعد الاجتماعي”، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض نشاط هذا القطاع بمعدّل النصف.

وأظهر تقييم “الإسكوا” أن أزمة فيروس “كورونا” أدت إلى انخفاض كبير في أسعار النفط، الأمر الذي نتج عنه تكبد المنطقة العربية خسائر بلغت حوالي 11 مليار دولار من إيرادات نفطية صافية خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، مع توقعات بتفاقم هذه الخسائر مع توقف حركة التجارة والنقل حول العالم، كما تكبّدت الشركات، في مختلف دول المنطقة، خسائر فادحة في رأس المال السوقي، بلغت قيمتها 420 مليار دولار، بنسبة تبلغ 8 في المائة من إجمالي رأسمالها السوقي، خلال نفس الفترة.

وأوصت اللجنة الأممية، ضمن تقييمها للخسائر الاقتصادية الناجمة عن فيروس “كورونا” في المنطقة العربية، بضرورة أن تقوم الحكومات باتخاذ تدابير منسقة ومتجانسة لتقديم الدعم على المستويين الكلّيّ والجزئي، بحيث تعمل على تحسين الحماية الاجتماعية، خصوصاً للفقراء والفئات الضعيفة، بالإضافة غلى اعتماد سياسات مالية نشطة لدعم الشركات، ومنها تقديم الإعفاءات الضريبية، ودعم الأجور، وتمديد آجال سداد الديون، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، كما دعت “الإسكوا” المؤسسات المالية متعددة الأطراف إلى دعم البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، لمواجهة الضغوط المالية التي ترزح تحتها.

وفي تعليق لها على نتائج الدراسة الخاصة حول الأثار والتداعيات الناجمة عن انتشار الفيروس المستجد “كوفيد-19” في المنطقة العربية، وعلى التقييم الاقتصادي الأول لخسائر الأزمة في دول المنطقة، قالت الأمين التنفيذي للإسكوا، الدكتورة رولا دشتي: “ستكون عواقب هذه الأزمة شديدة على الفئات المعرّضة للمخاطر، ولاسيما النساء والشباب والشابات، والعاملين في القطاع غير النظامي، ممّن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية، ولا من التأمين ضد البطالة”.

وأضافت “دشتي”، أنه “لابد من أن تنفذ الحكومات العربية استجابةً طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي، نتيجة لتداعيات وباء كورونا، ولابد من أن تكون الاستجابة الإقليمية داعمةً للجهود الوطنية، وأن تعبّئ الموارد والخبرات لحماية الفقراء والأشخاص المعرّضين للمخاطر”، في إشارة إلى دعوتها في وقت سابق لحكومات الدول العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامنِ الاجتماعي، يدعم البلدان العربية المعرّضة للخطر.

واختتمت الأمين التنفيذي لـ”الإسكوا” تعليقها بالقول: “نواجه تهديداً صحياً عالمياً، قد يغيّر العالم كما نعرفه، وما زلنا لا ندرك تماماً تبعاته على حياة الناس وعائلاتهم، وعلى تعليم الأطفال وقطاعات الصحة، بل وعلى الكوكب، ولكن بإمكاننا البدء بتقييم خسائرنا الاقتصادية، والبحث عن طرق للتخفيف منها”، وبالنسبة لما يجب القيام به، استطردت قائلةً: “نحن بحاجة إلى حلول على صعيد السياسات، وخطوات سريعة لتحقيق الانتعاش، بناءً على مقاربة شاملة لا تهمل أحداً”.