“مثالية الإدارة”.. خارطة طريق مغربية لتسريع جهود التنمية المستدامة
ترشيد استهلاك الموارد، والاقتصاد في استخدامات المياه والكهرباء، والتوسع في تطبيقات الطاقة المتجددة، وتدوير النفايات، وتقليص استعمالات الورق، مبادئ أساسية تعول عليها الحكومة المغربية لتقديم نموذج مثالي في التنمية المستدامة، وفق خارطة الطريق التي اعتمدتها المملكة لتنفيذ ميثاق “مثالية الإدارة” خلال عام 2019 الجاري، بعد أيام من صدور تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، تضمن انتقادات لأداء الحكومة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وفق “رؤية 2030”.
وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة، برئاسة سعد الدين العثماني، يوم الخميس 7 مارس الجاري، استعرضت كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، نزهة الوافي، عدداً من التحديات الأساسية التي تواجه الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتي تتمثل في تعزيز الحوكمة، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وحسن إدارة واستخدام الموارد الطبيعية، إضافة إلى تعزيز المحافظة على التنوع البيولوجي.
ويهدف ميثاق “مثالية الإدارة” إلى أن تقدم الإدارة العمومية النموذج المثالي في التنمية المستدامة، من أجل تشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وكافة المؤسسات على تبني مختلف الإجراءات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وقد انتهت الحكومة من وضع 6 إجراءات محددة، لتنفيذ هذا الميثاق، يتضمن الإجراء الأول منها تعميم المقاربة البيئية داخل المباني العمومية، باستعمال تكنولوجيات الحد من جميع أشكال إهدار الطاقة، وتشجيع استخدامات الطاقات الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلى ترشيد استهلاك المياه، وكذلك ترشيد استهلاك اللوازم المكتبية، فضلاً عن إدخال تقنيات البناء المستدام في جميع المباني العمومية الجديدة.
ويسعى الإجراء الثاني إلى انخراط المؤسسات العمومية في منظومة إدارة النفايات، عن طريق الحد من إنتاجها، وإعادة استعمال المنتجات أو المخلفات قدر الإمكان، قبل اعتبارها نفايات نهائية، وإعادة تدوير المواد الأولية الموجودة في النفايات، في إنتاج الطاقة أو الأسمدة العضوية، فيما يهدف الإجراء الثالث إلى تعزيز المساواة بين الرجال والنساء في فرص الوصول إلى المناصب الحكومية، والالتزام بنسبة الـ7% من الوظائف المخصصة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الإدارات والمؤسسات العمومية، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتمكينهم من أداء مهامهم.
ويهدف الإجراء الرابع إلى تعزيز آليات التنسيق والتشاور، وإشراك المجتمع المدني في إعداد وتقييم السياسات العمومية؛ وتفعيل القوانين المتعلقة بالحق في الحصول على المعلومات، وتسريع اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، بينما تعتزم الحكومة، بموجب الإجراء الخامس، تشجيع إدماج مبادئ الاستدامة في الإطار القانوني للمشتريات العمومية، وتعميم شراء معدات مقتصدة للمياه والطاقة، عن طريق وضع نظام للمعايير والعلامات الإيكولوجية.
أما الإجراء السادس والأخير، فيتضمن تعزيز “المثالية” في مجال النقل، بالعمل على تعزيز استخدام السيارات الكهربائية والهجينة من قبل المسؤولين العموميين، وتسريع استبدال السيارات القديمة بأخرى نظيفة أكثر توافقاً مع البيئة، مع الالتزام بتطبيق معيار 120 غراماً من ثاني أكسيد الكربون في الكيلومتر الواحد، وتوفير البرامج التدريبية لصالح السائقين في الإدارة العمومية على القيادة الإيكولوجية.
وفي إطار سعيها لتنفيذ هذه الإجراءات، وضعت الحكومة المغربية خطة منهجية تتضمن محورين أساسيين، الأول يختص بـ”المخطط الوزاري لمثالية الإدارة” يتم من خلاله تعيين نقاط اتصال ولجان متابعة في كل قطاع، لمراجعة لمؤشرات والأهداف المنشود تحقيقها، بينما يتمثل المحور الثاني في “المخطط الوطني لمثالية الإدارة”، وهي الوثيقة الرسمية التي ستكون موضع متابعة وتقييم من طرف اللجنة الاستراتيجية للتنمية المستدامة.
وجرى إعداد ميثاق “مثالية الإدارة” من خلال لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، حيث تمت المصادقة عليها في الاجتماع الأول للجنة الاستراتيجية للتنمية المستدامة، أواخر فبراير 2019، بعد صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي تضمن انتقادات لـ”ضعف” الإجراءات الحكومية المتخذة لضمان التقارب بين استراتيجية التنمية المستدامة والبرامج الوطنية والقطاعية مع “رؤية 2030″، وعدم وضع التدابير اللازمة، على المستوى الوطني، لتحديد الأولويات الواردة بالاستراتيجية الوطنية.
ورغم أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في المملكة المغربية تمت المصادقة عليها في يونيو 2017، فقد اعتبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنه كان من الممكن أن تمثل هذه الاستراتيجية الإطار المناسب لتحديد أولويات أهداف التنمية المستدامة، والتخطيط لتنفيذ “رؤية 2030″، غير أن التحريات التي قام بها المجلس لدى مجموعة من المسؤولين الحكوميين، كشفت عن العديد من أوجه القصور فيما يتعلق بعملية تفعيل الاستراتيجية، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ البدء في تنفيذها.
كما أشار التقرير إلى أن كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة وضعت 21 اقتراحاً بتحديد التزامات 21 قطاعاً وزارياً تحظى بالأولوية من حيث التنمية المستدامة، غير أن استجابة جميع هذه القطاعات إزاء تلك الاقتراحات ظلت “شبه غائبة”، كما لفت إلى أنه رغم تشكيل لجنة استراتيجية للتنمية المستدامة، برئاسة رئيس الحكومة، مهمتها تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، فإن المرسوم المتعلق بإنشاء هذه اللجنة لم يتطرق إلى أهداف التنمية المستدامة، أو الدور الذي يمكن أن تقوم به في تنفيذ “رؤية 2030”.