+20225161519 [email protected]

قادة العالم يحشدون الجهود في قمة التنوع البيولوجي بهدف «تغيير علاقتنا مع الطبيعة»

«السيسي»: نواجه اختباراً في علاقتنا مع الطبيعة يحتم الربط بين التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة

تقرير «المخاطر 2020»: فقدان التنوع وانهيار النظام البيئي ضمن أكبر 5 تهديدات تواجه البشرية

رئيس الجمعية العامة: كل الأسباب تتوفر لحماية التنوع البيولوجي أخلاقياً واقتصادياً ووجودياً

تفقد البشرية في كل عام ما يقرب من 13 مليون فدان من الغابات، فيما يتعرض مليون نوع من الأجناس لخطر الانقراض، وفي الأعوام الخمسين الماضية، انخفضت نسبة الفقاريات بنسبة 68%، وأكثر من 60% من الشعاب المرجانية معرضة للخطر، بسبب الصيد الجائر، والممارسات المدمرة، حيث يصنف تقرير المخاطر العالمية لعام 2020، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فقدان التنوع البيولوجي، وانهيار النظام البيئي، ضمن أهم 5 تهديدات تواجه البشرية.

ومن منطلق الحاجة إلى إعادة بناء العلاقات مع الطبيعة، ووقف «الحرب» التي يشنها البشر عليها، وتغيّر المناخ، شارك العشرات من قادة دول العالم ومسئولي الأمم المتحدة في أول قمة للتنوع البيولوجي، يوم الأربعاء 30 سبتمبر، لبحث سبل إنقاذ الحياة الطبيعية، في ظل تناقص أعداد الأحياء البرية، والاستهلاك المفرط، والنمو السكاني، وقد عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القمة باستخدام تقنيات التواصل عن بعد، التزاماً بإجراءات الوقاية من فيروس «كوفيد-19».

وفي كلمته أمام المؤتمر، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن «البشرية تشن حرباً على الطبيعة»، وأضاف أن إزالة الغابات وتغيّر المناخ وتحويل المناطق البرية لإنتاج الغذاء البشري، كل ذلك يؤدي إلى تدمير شبكة الحياة على الأرض، وقال: «نحن جزء من تلك الشبكة الهشة، ونريدها أن تكون بصحة جيّدة، حتى نتمكن نحن والأجيال القادمة من الازدهار»، وأشار إلى أن الطبيعة مرنة، ويمكن أن تتعافى «إذا خففنا من اعتداءاتنا المتواصلة» عليها.

التزامات لم تتحقق

اتفاقية التنوع البيولوجي هي معاهدة عالمية، تم الاتفاق عليها في قمة الأرض للأمم المتحدة في البرازيل عام 1992، ولها ثلاثة أهداف: الحفاظ على التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام للطبيعة، والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن العلوم الجينية، ووفق الاتفاقية، اتفقت الدول عام 2010 على أهداف «إيتشي» للتنوع البيولوجي، وهي مجموعة مكونة من 20 هدفاً للحفاظ على التنوع البيولوجي، تتراوح بين الحفاظ على الكائنات، والتقليل من إزالة الغابات حتى عام 2020.

وأضاف الأمين العام أنه قبل 10 سنوات، قطعت دول العالم تعهدات كان ينبغي أن تحمي كوكبنا، إلا أنه تابع بقوله: «لقد فشلنا فشلاَ ذريعاَ، ولكن، حيثما بُذلت الجهود، فإن الفوائد التي تعود على اقتصاداتنا وصحة الإنسان والكوكب، لا يمكن دحضها”، مؤكداَ أنه بالرغم من الالتزامات المتكررة، فإن الجهود لم تكن كافية للوفاء بأي من أهداف التنوع البيولوجي العالمية المحددة لعام 2020.

وتابع «غوتيريش» قائلاَ: «اسمحوا لي أن أكون واضحاً، إن تدهور الطبيعة ليس قضية بيئية بحتة، هي قضية تمتد لتشمل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان»، مشيراً إلى أن إهمال الموارد الثمينة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات والصراعات الجيوسياسية، وقال: «هذه القمة فرصتنا لنظهر للعالم أن هناك طريقة أخرى، علينا تغيير المسار وتحويل علاقاتنا بالعالم الطبيعي»، معتبراً أنه كان أمام العالم فرصة حتى هذا العام، لبلوغ هذه الأهداف، والمضي قدماً لوضع إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020.

«كوفيد-19» واختلالات التوازن

وعُقدت قمة التنوع البيولوجي هذا العام تزامناً مع «جائحة كوفيد-19»، التي تجتاح العالم، وتؤثر على اقتصادات ومجتمعات الدول، ويشير الخبراء إلى أن 60% من جميع الأمراض المعروفة، و75% من الأمراض المعدية الجديدة، هي حيوانية المصدر، تنتقل من الحيوانات للبشر، وعن ذلك، اعتبر الأمين العام أن الاختلالات في التوازن مع الطبيعة تتمثل نتائجها في ظهور أمراض مميتة، ومنها «الإيدز»، و«إيبولا»، والآن «كوفيد-19»، وهي أمراض لا يمتلك العالم سوى القليل من وسائل الدفاع أمامها.

كما لفت «غوتيريش» إلى أن هناك 3 أولويات للحفاظ على التنوّع البيولوجي وإدارته على نحو مستدام، أولها تضمين الحلول القائمة على الطبيعة في التعافي من «كوفيد-19» وخطط التنمية الأوسع، ويمكن أن يؤدي الحفاظ على التنوّع البيولوجي في العالم إلى توفير فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي الذي نحتاجه اليوم، وتتمثل الأولوية الثانية في ضرورة مراعاة الأنظمة الاقتصادية والأسواق المالية، لحالة الطبيعة، وأن تستثمر فيها، أما الأولوية الثالثة فتتمثل في تأمين أكثر السياسات والأهداف طموحاً، التي تحمي التنوع البيولوجي، ولا تترك أحداً وراء الركب.

دعوة لعكس اتجاه المنحنى

وأشار الأمين العام إلى أن الطبيعة توفر فرصاً تجارية للمجتمعات الفقيرة، من الزراعة المستدامة إلى السياحة البيئية أو صيد الكفاف، حيث تعتمد معظم الشعوب الأصلية، على وجه الخصوص، على النظم البيئية الصحية، التي يمكن أن توفر الخدمات الاقتصادية والمالية التي يحتاجونها، للحفاظ على ثقافاتهم وسبل عيشهم، وقال في هذا الصدد: «أعتمد عليكم خلال هذه القمة، لإرسال إشارات قوية، لعكس اتجاه منحنى فقدان التنوع البيولوجي»، وحث جميع قادة الدول للانضمام لجهود معالجة أسباب فقدان التنوع البيولوجي.

وبينما شدد على ضرورة الحاجة إلى تأمين إطار طموح للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020، للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحديد أهداف ملموسة، وحشد شراكة كاملة وفعالة عبر الدول، فقد اعتبر الأمين العام أن «الحلول القائمة على الطبيعة هي أدوات حيوية في معركتنا لحل أزمة المناخ»، واختتم بقوله: «لدينا حلول طبيعية في متناول اليد، لحمايتنا من الكوارث الطبيعية وفقدان الوظائف والتداعيات الاقتصادية، دعونا نستخدمها».

البشرية تتعرض لخطر كبير

وفي كلمته أمام قمة التنوع البيولوجي، حذر رئيس الجمعية العامة، فولكان بوزكير، من تعرّض الأمن الغذائي وإمدادات المياه والقدرة على مكافحة الأمراض ومواجهة الأحداث المتطرفة، للخطر، وقال: «يجب أن نكون واقعيين، تعتمد أنظمة الرعاية الصحية على التنوع البيولوجي الغني، ويعتمد 4 مليارات شخص على الأدوية الطبيعية من أجل صحتهم، و70% من العقاقير لعلاج السرطان مستمدة من الطبيعة»، وتابع بقوله: «نواجه تحديات بسبب هذه المخاطر الآن، يمكن للتعافي الأخضر، مع التركيز على حماية التنوع البيولوجي، معالجة هذه المخاوف، وتخفيف المخاطر، وبناء عالم أكثر استدامة ومرونة».

وأكد «بوزكير» أن تخفيف المخاطر البيئية يمكن أن يسهم في خلق 395 مليون وظيفة بحلول عام 2030، وتشجيع الاقتصاد الأخضر، وأضاف قائلاً: «اليوم، نمهد الطريق لحركة عالمية للعمل بشأن التنوع البيولوجي من أجل التنمية المستدامة، يجب علينا استغلال هذه الفرصة لبناء زخم سياسي نحو إطار التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020، الذي سيتم اعتماده في مؤتمر الأطراف الـ15 في الصين»، وأضاف أن «كل الأسباب تتوفر لحماية التنوع البيولوجي، سواء من وجهة نظر أخلاقية أو اقتصادية، وأيضاً من وجهة نظر وجودية».

ومن جانبها، دعت إنغر أندرسون، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى فعل المزيد من أجل حماية الطبيعة، ودمجها في تخطيطات المدن والبنى التحتية، وقالت: «علينا إعادة التفكير في طرق الإنتاج والاستهلاك، وهذا يعني التعامل مع النظم الغذائية، ومع البنى التحتية، ونظم الطاقة»، كما شددت على أهمية دور مجتمعات الشعوب الأصلية، التي تمتلك وتدير حوالي ربع مساحات الأراضي، وما يقرب من ثلث المحميات الطبيعية في أرجاء العالم، وشددت على أن «حماية حقوق الشعوب الأصلية، هي جزء من حماية التنوع البيولوجي».

بناء على مؤتمر شرم الشيخ

وفي بداية القمة، ألقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كلمة بلاده التي استضافت مؤتمر الأطراف الـ14 للتنوع البيولوجي في شرم الشيخ، في نوفمبر 2018، حيث أكد أن التدهور المضطرد في التنوع البيولوجي، يحتم على دول العالم التحرك بشكل أكثر تنسيقاً وفاعلية، في مواجهة هذه التطورات، التي تهدد جميع الدول، وتعمّق الفوارق بين الدول النامية والمتقدمة، وتحد من القدرة على تحقيق أهـداف التنمية المستدامة”، كما شدد الرئيس المصري على قوله: «إننا أمام اختبار حقيقي في علاقتنا مع الطبيعة، يفرض علينا العيش في تناغم معها، وهو ما يمثل جوهر مقصدنا المشترك، عبر الربط بين التنوع البيولوجي، وتحقيق التنمية المستدامة».

وخلال مؤتمر الأطراف، أطلقت مصر مبادرة شاملة تهدف إلى دمج التنوع البيولوجي في القطاعات النوعية المختلفة من خلال تحقيق التكامل بين اتفاقيات «ريو» الثلاث، المعنية بتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر، وهو ما أعاد الرئيس المصري التأكيد عليه بقوله: «عملنا بجهد مع مختلف الشركاء، لدفع هذه المبادرة إلى الأمام، وتقوم مصر بتفعيل مبادئها، من خلال دمج التنوع البيولوجي في قطاعات المحميات الطبيعية والسياحة البيئية، على سبيل المثال، وفي خططها التنموية لحماية تلك الموارد، وإيجاد المزيد من فرص العمل».

«نهر النيل».. أهم ثروات مصر

وأشار الرئيس «السيسي» إلى أن مصر وضعت نظماً فعالة لصون الطبيعة والبيئة المحيطة بها، لاسيما نهر النيل، الذي اعتبر أنه يمثل «شريان الحياة لحضارة تجسدت فيها الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية»، وقال إن مصر تحرص على استدامة النظم الإيكولوجية حول النهر، ولطالما دعت إلى ضرورة تعزيز التعاون العابر للحدود بين دول حوض النهر، بالنظر إلى كون «المياه حجر الزاوية في الجهود للحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الطبيعة«، معرباً عن أمله في أن تسهم القمة في تعزيز إدراك الجميع لحجم تلك المسئولية، وأن تخرج بنتائج واضحة، تعكس إرادة سياسية جماعية لتغيير الوضع الراهن إلى الأفضل.

الأردن.. ثاني أفقر البلدان مائياَ

ومن بين المتحدثين في القمة، العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الذي قال في كلمته المسجلة إلى قمة التنوع البيولوجي، إن الأردن هو ثاني أفقر بلاد العالم مائياً، ولمعالجة هذه الأزمة، أعدّت المملكة، على مدى العامين الماضيين، حلاً عملياً، سيتم طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتابع العاهل الأردني قائلاً: «نسعى بطرحنا ميثاقاً يمنح أنظمة بيئية محددة والكائنات الحية من نباتات وحيوانات، الحق القانوني بالحياة، وذلك لتعزيز جهود الحفاظ على البيئة، لضمان استمرارية وجود وازدهار البشرية، وتمكين ناشطي البيئة وغيرهم حول العالم، من اتخاذ إجراءات قانونية للحفاظ على حقوق الطبيعة»، وأشار إلى أن الناشطين الشباب يحثون على اتخاذ الإجراءات المطلوبة، واختتم بقوله: «علينا أن نقوم بما هو أكثر مما هو مجرد عدم اعتراض طريقهم، بل علينا العمل بحزم، فعالمنا أمانة في أعناقنا، وعلينا أن نحافظ عليه».

حرمان من الموارد بسبب الاحتلال

وفي كلمته المسجلة للقمة، قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، إن الخطر الأكبر ناجم عن سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وأشار إلى جدار الضم والمستوطنات والحصار المفروض على قطاع غزة، مؤكداً أن «السلطة القائمة بالاحتلال سلبت من الشعب الفلسطيني حقه السيادي على أرضه وموارده الطبيعية، وأهمها غور الأردن»، وشدد على أن دولة فلسطين قامت بتحديد استراتيجية لصون التنوع البيولوجي الوطني، تتفق مع اتفاقية التنوع البيولوجي.

الجزائر.. أهداف للحفاظ على البيئة

وألقى وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، كلمة مسجلة، أوضح فيها أن الموقع الجغرافي والمساحة الكبيرة للجزائر، جعل منها بلداً يزخر بالعديد من النظم البيئية المتكونة من 16 ألف نوع حيواني وزراعي، منها ما يقارب 700 نوع موطّن، و226 نوعاً مهدداً بالانقراض، وأضاف أن الجزائر قامت بوضع العديد من الخطط الوطنية والقطاعية، تجسدت في بداية الألفية من خلال وضع الاستراتيجية الأولى وبرنامج العمل الوطنيين، لتعزيز قدراتها الحمائية القانونية والمؤسساتية، مشيراً إلى أن الجزائر تعمل على تعزيز الاقتصاد الأخضر، واستصلاح الأراضي، وإعادة تأهيل المواطن البيئية الغابية، والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي على مستوى المناطق الجبلية.

الإمارات.. حماية البيئة أولوية

وألقى كلمة دولة الإمارات، عبد الله النعيمي، وزير التغيّر المناخي والبيئة، والذي شدد على أن بلاده تولي اهتماماً خاصاً لحماية البيئة ومقدراتها، وقال: «ينصب الاهتمام الأكبر على إعادة التعافي الاقتصادي من تبعات جائحة كوفيد-19، إلا أن تنامي معدلات فقد النباتات والحيوانات، ووجود ما يقارب مليون نوع مهدد بالانقراض، ينذر بأزمة مستقبلية، تتطلب وضع الاهتمام بالبيئة والتنوع البيولوجي في مقدمة أولوياتنا»، واختتم الوزير الإماراتي كلمته بقوله إنه على مدى 5 عقود، كثفت الإمارات من جهودها لحماية البيئة والتنوع البيولوجي، عبر منظومة متكاملة، تشمل إقرار بنية تشريعية للحفاظ على الموارد الطبيعية، وتضمن إشراك كافة مكونات المجتمع.