+20225161519 [email protected]

«وقفة» مع أهداف التنمية المستدامة.. المنطقة العربية خارج المسار

في إطار أعمال الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال النصف الثاني من سبتمبر 2020، عُقدت فعالية رفيعة المستوى لأول مرة هذا العام، تحت عنوان «وقفة مع أهداف التنمية المستدامة»، بهدف لفت الانتباه إلى أهمية أهداف التنمية المستدامة كخارطة طريق لبناء مستقبل أفضل للجميع، ومن المقرر أن يتم عقد هذه الفعالية سنوياً، بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أين المنطقة العربية من الأهداف العالمية؟

وفي عرض عن واقع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في جميع مناطق العالم، تبين أن المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح لتحقيق تلك الأهداف، بحسب ما أكدت المدير التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، رولا دشتي، التي أكدت أنه قبل جائحة «كوفيد-19»، شهدت المنطقة العربية بالفعل الزيادة الوحيدة في معدلات الفقر المدقع على مستوى العالم.

ورغم أن المنطقة العربية خصصت نحو 100 مليار دولار للتخفيف من آثار الجائحة، إلا أنها مازالت بحاجة إلى أكثر من 70 مليار دولار إضافية، وعن ذلك قالت المدير التنفيذي للإسكوا: «دفعت الجائحة بـ14 مليون شخص إضافي باتجاه دائرة الفقر، وخلّف الصراع 55 مليونا بحاجة إلى مساعدة إنسانية»، وأضافت في رسالة مصورة خلال «الوقفة» أن «البلدان العربية اعتمدت إطاراً لمكافحة الفقر متعدد الأبعاد، لكنها لا تزال بحاجة إلى اعتماد أنظمة حماية اجتماعية شاملة ومستدامة مالياً».

تفاوتات صارخة وانعدام المساواة

وتُعد المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق تفاوتاً في العالم، إذ يمتلك 37 مليارديراً ما يعادل ما يملكه النصف الأفقر من السكان البالغين، كما تحتل المنطقة الصدارة في أعلى معدلات البطالة بين النساء على مستوى العالم، وأقل المستويات في تمثيلهن السياسي، كما أن العنف القائم على النوع الاجتماعي آخذ في الارتفاع، ويكلف المنطقة ما يُقدّر بنحو 245 مليار دولار.

واعتبرت «دشتي» أن إنشاء صناديق توفير وطنية تربط الأغنياء بالأكثر فقراً، هو إجراء سياسي مبتكر، للتخفيف من حدة الفقر، والحد من عدم المساواة، وتابعت بقولها: «يجب على الدول العربية أن تركز أكثر على تمكين النساء اقتصادياً، والتخلص من سياسات التمييز الاجتماعي»، وشددت على أن «الاستثمار في النساء أمر بالغ الأهمية، لتحقيق مجتمعات عربية مستقرة وعادلة ومزدهرة».

درجات حرارة قياسية في المنطقة

وفي صورة قاتمة أخرى، سجّلت المنطقة العربية أعلى درجات حرارة على الإطلاق، حيث وصلت في بعض الأوقات من هذا العام، إلى 55 درجة مئوية، مع توقع زيادة 5 درجات أخرى بحلول نهاية هذا القرن، وهو ما دفع المديرة التنفيذية للإسكوا إلى القول إن «موارد المياه والأرض مستنفدة حقاً، وما يقرب من 87 مليون شخص يفتقرون إلى مياه الشرب النظيفة»، وتحتاج المنطقة العربية، بحسب المسؤولة الأممية، إلى اعتماد سياسات متكاملة لإدارة موارد المياه.

وشملت فعالية «وقفة مع أهداف التنمية المستدامة» مشاركة مسؤولين حكوميين وممثلين لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، ومن الأطراف المعنية الأخرى، تزامناً مع مضي 5 سنوات منذ أن اتفقت الدول الأعضاء على أهداف التنمية المستدامة، التي تمثل المستقبل بالنسبة لملايين الأشخاص، من فتيات ونساء وشباب يناضلون من أجل المساواة، ومن أجل كوكب آمن.

«كوفيد-19» أزمة غير مسبوقة

وتهدف الفعالية الافتراضية لتوليد شعور متجدد بالإلحاح والطموح والمساءلة وإمكانية التغيير، بينما يشرع العالم في عقد من العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، كي لا يتخلف أحد عن الركب، وهو ما أكد عليه  الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عندما قال في كلمته إن «أهداف التنمية المستدامة هي خطة للتغلب على الفقر والجوع ومواجهة أزمة المناخ، وتحقيق المساواة بين الجنسين وأكثر من ذلك بكثير، في غضون السنوات العشر القادمة«.

وأضاف الأمين العام أنه «في وقت يسود فيه قدر كبير من حالة عدم اليقين، توضح أهداف التنمية المستدامة الطريق إلى الأمام نحو التعافي القوي من (كوفيد-19)، ومستقبل أفضل للجميع على كوكب آمن وصحي»، معتبراً أن «جائحة كورونا» تسببت في أزمة غير مسبوقة، وتسببت بفقدان الأرواح وسبل العيش وتعميق التفاوتات القائمة، التي تجعل التقدم في تحقيق الأهداف أكثر صعوبة مع تأثر أفقر الناس وأكثرهم ضعفاً في العالم، أكثر من غيرهم.

أما رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، فقد أكد أن «التقدم في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة غير متسق، وخرج عن المسار الصحيح، حتى قبل أن يهز (كوفيد-19) العالم»، وأضاف: «بينما تشرع البلدان، في كل العالم، في خطط التعافي الاجتماعي والاقتصادي، دعوهم يسترشدون بأهداف التنمية المستدامة، دعونا نختار عالماً أكثر مساواة، وأكثر خضرة، وأكثر مرونة».

ومن ضمن المشاركين في «الوقفة» سفيرة الأمم المتحدة للسلام، ملالا يوسفزاي، التي حثت الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتها إزاء تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقالت: «أود أن أعرف متى تعتزمون القيام بالعمل؟.. متى ستلتزمون بالتمويل المطلوب لمنح كل طفل 12 سنة من التعليم الجيد؟.. متى ستضعون السلام وحماية اللاجئين كأولوية؟.. ومتى ستمررون سياسات لتقليص انبعاثات الكربون؟»، وبينما اعتبرت أن «كوفيد-19» يشكل انتكاسة للأهداف الجماعية، ففي التعليم وحده، هناك 20 مليون فتاة إضافية قد لا تعود إلى مقاعد الدراسة عندما تنتهي الأزمة، فقد أكدت أن «الجائحة لا يجب أن تكون عذراً».

نظرة متفائلة.. يمكن تحقيق الأهداف

نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، كانت أكثر تفاؤلاً، حيث اعتبرت أنه مازال بالإمكان تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة، وقالت: «يمكننا القضاء على الفقر والجوع، يمكن أن تتمتع النساء والفتيات بنفس الحقوق والفرص التي يتمتع بها الرجال والفتيان، يمكننا تجنب أزمة المناخ، ولكن يجب أن نقرر القيام بذلك الآن، ويجب أن نفعل ذلك معاً، في مجتمعاتنا، وفي تضامن مع المجتمع الدولي»، وتابعت بقولها: «ينبغي استخدام البيانات والتكنولوجيا حتى لا يتخلف أحد عن الركب، ولبناء قدرات الشباب ومهاراتهم، لجعل العالم الرقمي هو العالم الأساسي».

لبنان والمغرب في «الوقفة مع أهداف التنمية»

وشارك الرئيس اللبناني، ميشال عون، ورئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، في الحدث الافتراضي «وقفة مع أهداف التنمية المستدامة»، حيث أكد رئيس الجمهورية اللبنانية على تجديد بلاده الالتزام بالعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، رغم الظروف الصعبة، وقال: «مما لا شك فيه، أن عالمنا اليوم يواجه تحديات كبيرة، انعكست بشكل مباشر على جميع البلدان، وكان للبنان نصيب كبير منها، وهو الذي تعرّض لأزمات متلاحقة، من أزمة النزوح السوري الكثيف، المستمرة منذ 10 سنوات، والتي فرضت علينا واقعاً تنموياً ضاغطاً».

وفي خضم مكافحة جائحة «كوفيد-19»، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت، في 4 أغسطس الماضي، وأسفر عن ضحايا بشرية وخسائر مادية كبيرة وآثار سلبية هائلة، وهو ما اعتبر الرئيس اللبناني أنه «لن يتسبب في تفاقم الانكماش في النشاط الاقتصادي فحسب، لكنه سيؤدي أيضاً إلى تفاقم معدلات الفقر».

أما رئيس الحكومة المغربية فقد أشار إلى أن بلاده أعلنت في يوليو الماضي قرارها بإطلاق خطة للإنعاش الاقتصادي، يتم بموجبها ضخ 12 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، وإنشاء صندوق استثمار استراتيجي، لمواكبة القطاعات الإنتاجية والمشاريع الاستثمارية الكبرى، وتأمين التغطية الصحية، كما دعا «العثماني» إلى إيلاء عناية خاصة بأفريقيا، بهدف دعمها في مواجهة الجائحة، ومواصلة جهودها الرامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الكوكب بحاجة لتحقيق الأهداف

وبعد مرور 5 سنوات على تبني أهداف التنمية المستدامة، تحقق تقدم في بعض الجوانب، مثل تحسين صحة الأم والطفل، وتوسيع نطاق تمثيل المرأة في الحكومة، غير أنه مازال هناك قصور في جوانب أخرى، مثل تنامي انعدام الأمن الغذائي، وتدهور البيئة الطبيعية، واستمرار وانتشار عدم المساواة، ومع إغلاق المجتمعات وتباطؤ الاقتصادات، بسبب «جائحة كورونا»، ترتفع مستويات الفقر لأول مرة منذ جيل، مما يهدد بمحو كل التقدم الذي تم إحرازه على مدى العقود الماضية.

وعلاوة على ذلك، فإن الضرر الذي أحدثه تغير المناخ يتواصل بالازدياد، من حرائق مستعرة، إلى فيضانات وعواصف، إلى ارتفاع انعدام الأمن الغذائي والخسائر الاقتصادية، كما أن انبعاثات الكربون تعود بسرعة إلى مستويات ما قبل «كوفيد-19»، وقد وصلت تركيزات الغازات الدفيئة إلى مستويات قياسية جديدة، وفي خضم الأزمة، تدعو الأمم المتحدة في هذه «الوقفة مع أهداف التنمية المستدامة»، التي ستتكرر كل عام حتى سنة 2030، إلى تسليط الضوء على الأفعال والحلول التي تقدمها الدول الأعضاء والأطراف الأخرى.