المنطقة العربية و«كوفيد-19».. «معاً يمكننا تحويل الأزمة إلى فرصة»
تنعم المنطقة العربية بتنوع هائل وإمكانات ضخمة، لكنها تواجه أيضاً صعوبات هائلة، ما بين صدمات اقتصادية وصراعات طويلة الأمد، إلى أن جاءت جائحة «كوفيد-19» لتكشف عن مكامن تلك التصدعات ومدى تفاقمها، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول قدرة دول المنطقة على إنجاز خططها الوطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وتزخر المنطقة العربية بالكثير من التوترات وأوجه عدم المساواة، مما سيضاعف من عواقب التطورات المأساوية على الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما يتوقع أن يسجل اقتصاد المنطقة، الذي يرزح تحت انخفاض أسعار النفط، انكماشاً يفوق 5% في عام 2020، مما يهدد بدفع نحو ربع سكان المنطقة إلى براثن الفقر، الأمر الذي يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تطرق إلى الوضع في المنطقة العربية في ظل جائحة «كوفيد-19» في موجز سياسات جديد، طرح خلاله 4 أولويات ينبغي العمل على معالجتها من أجل «إعادة البناء على نحو أفضل»، وحذر في الوقت نفسه من أن الأضرار قد تصيب فئات أكثر، ولاسيما النساء والمهاجرين، الذين يمثلون 40% من القوة العاملة.
ولفت الأمين العام إلى أن المنطقة العربية تعاني من صدمات اقتصادية متعددة نتيجة «جائحة كورونا»، بالإضافة إلى التراجع الحاد في أسعار النفط والتحويلات المالية والسياحة، إذ يحرم ضعف المؤسسات العامة المنطقة من تحقيق كامل طاقاتها، وتعوق المؤسسات الضعيفة أيضاً قدرة بلدان عديدة على التخطيط لمواجهة الأزمات الكبرى والتخفيف من آثارها.
وكشفت الجائحة عن افتقار الاقتصادات العربية إلى التنويع، الأمر الذي يحول دون نموها وازدهارها، حيث أن البلدان المنتجة للنفط شديدة الاعتماد على أسعار السوق والطلب، وبلدان الدخل المتوسط تجني معظم إيراداتها من التحويلات المالية والسياحة، أما البلدان الأقل نمواً والمثقلة بالديون، فكانت ولا تزال تعاني قيوداً شديدة في التصدّي للأزمة، وسوف تستمر هذه القيود في إعاقة جهودها على المدى الطويل.
وفي منطقة تحفل بالتوترات وأوجه عدم المساواة، ستكون للتطورات المأساوية عواقب عميقة على الاستقرار السياسي والاجتماعي، بحسب «غوتيريش»، الذي أشار إلى ثغرات وتحديات في عمليات إصلاح نظم الحماية الاجتماعية بالمنطقة العربية، كشفت عنها الجائحة، الأمر الذي يحول دون تلبية جميع الاحتياجات، ولاسيما للنساء والشباب وذوي الإعاقة وكبار السن، وفئات أخرى معرضة للمخاطر.
وبينما أدت الجائحة إلى خسارة حوالي 17 مليون فرصة عمل، إضافة إلى 14.3 مليون شخص يعانون البطالة قبل الأزمة، فقد استنتج الأمين العام أن دفع ملايين السكان إلى أدنى درجات السلم الاقتصادي قد يؤدي إلى دفع نحو ربع سكان المنطقة إلى السقوط في براثن الفقر، محذراً من أن أشد التداعيات تقع على العاملين في القطاع غير النظامي، والعاملين من المهاجرين واللاجئين والنازحين.
إلا أن جائحة «كوفيد-19» أعادت التأكيد على ضرورة استفادة المنطقة على نحو أفضل من التكنولوجيات الرقمية والابتكار، بما في ذلك التعلم عن بعد، والابتكار التجاري، وتحسين إدارة القطاع العام، الأمر الذي دعا الأمين العام إلى اعتبار أنها يمكن أن تكون فرصة لحل نزاعات طال أمدها، ومعالجة نقاط الضعف، بقوله: «معا يمكننا تحويل الأزمة إلى فرصة، مما سيعود بالنفع على المنطقة والعالم بأسره».
واستعرض «غوتيريش»، ضمن موجز السياسات الجديد الخاص بالمنطقة العربية، 4 أولويات يجب العمل عليها من أجل المضي قدماً في عملية التعافي من تداعيات الجائحة، وإعادة البناء على نحو أفضل، أولها ضرورة اتخاذ تدابير فورية لإبطاء انتشار المرض وتلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر الفئات ضعفاً، في حين تضمنت الأولوية الثانية تكثيف الجهود لمعالجة أوجه عدم المساواة، عن طريق الاستثمار في توفير الصحة والتعليم للجميع، والحدود الدنيا للحماية الاجتماعية.
أما الأولوية الثالثة فتتعلق بتعزيز الانتعاش الاقتصادي، من خلال إعادة هندسة النموذج الاقتصادي للمنطقة، بحيث يكون نموذجاً لصالح اقتصادات خضراء أكثر تنوعاً، وتضمنت الأولوية الرابعة تعزيز حقوق الإنسان، وضمان وجود مجتمع مدني نابض بالحياة، ووسائل إعلام حرة، وإنشاء مؤسسات أكثر مساءلة، وفي النهاية أكد «غوتيريش» قدرة المنطقة العربية على بلوغ هذا الهدف، من خلال حسن استغلال الإمكانات الرائعة لشعوبها، والاستفادة من ثقافة التكافل وحس الإبداع.