+20225161519 [email protected]

المنتدى المصرى: «أجندة 2030» تواجه تهديدات غير مسبوقة

أظهرت «جائحة كورونا» أن الحاجة الشديدة إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، باعتبار أن 75% من الأمراض المعدية التي تنتشر بين البشر، عادةً ما تنتقل إليه عن طريق الحيوانات، نتيجة الخلل البيولوجي الناجم في الأساس عن الأنشطة البشرية، وفق ما أكد المنتدى المصري للتنمية المستدامة بمناسبة «يوم البيئة العالمي»، الذي يحتفل به العالم هذا العام تحت شعار «من أجل الطبيعة».

وبمناسبة «يوم البيئة العالمي» للعام 2020، والذي يوافق الخامس من يونيو، أصدر المنتدى المصري للتنمية المستدامة بياناً حذر فيه من أن فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة أجندة 2030، تواجه تهديدات غير مسبوقة، نتيجة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19، الذي تسبب في توقف أنشطة الكثير من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها حركة السفر والسياحة والتجارة العالمية.

وأكد المنتدى المصري أهمية الاحتفال بهذه المناسبة، رغم ما يشهده العالم من أوقات وظروف عصيبة، نتيجة «جائحة كورونا»، وانتشار فيروس «كوفيد-19»، الذي أصاب أكثر من 6 ملايين شخص في مختلف أرجاء العالم، وأودى بحياة ما يزيد على 300 ألف شخص، وألقت بتداعيات خطيرة وتحديات قد تعرقل جهود التنمية المستدامة.. وفيما يلي نص البيان:

شاءت الأقدار أن يجتاح وباء كورونا العالم ليثبت للقاصي والداني أن تخريب الانسان لبيئته، والعبث بكافة موارد الارض الطبيعية، إنما نتيجته ستكون دماراً للبشرية والأرض فى نفس الوقت، وقد أصابت هذه الجائحة، حتى الآن، أكثر من ستة ملايين مواطن فى كافة أرجاء المعمورة، وأودت بحياة أكثر من ثلاثمائة ألف آخرين، في هذا التوقيت تحديداً، حرصت الأمم المتحدة للبيئة أن تذكر العالم في مناسبة الاحتفال بيوم البيئة العالمي، بحتمية العودة للطبيعة والاهتمام بها.

وتكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة لارتباطها بالاحتفال بهذه المناسبة الهامة «يوم البيئة العالمي» الذي دأب العالم على الاحتفال بها منذ عام 1974، والتي تخلد ذكرى أول مؤتمر عالمي للبيئة عقد في مدينة ستوكهولم بالسويد عام 1972، ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار «حان وقت الطبيعة»، ولاشك أن الأطعمة التي نتناولها، والهواء الذي نتنفسه، والمياه التي نشربها، والمناخ الذي يجعل من الأرض بيئة صالحة للعيش، هي كلها من منافع الطبيعة.. فعلى سبيل المثال، تنتج النباتات البحرية سنوياً أكثر من نصف الأكسجين في غلافنا الجوي، في حين تنقي الأشجار الناضجة الهواء وتمتص كل شجرة ما يقرب من 22 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين في الوقت نفسه، وبالرغم من كل المنافع التي نستفيدها من الطبيعة، فلم يزل الإنسان يسيئ إليها، ولذا يلزم تغيير ذلك السلوك، وهذا هو أحد الأسباب الداعية للاحتفال بهذه المناسبة.

وفي عام 2020، يُحتفل بهذا اليوم تحت شعار «التنوع البيولوجي»، والذي يُعد شاغلاً وجودياً ملحاً، وأظهرت المُجريات الأخيرة، سواء كانت الحرائق في البرازيل أو في الولايات المتحدة أو أستراليا، أو كانت أسراب الجراد في شرق أفريقيا، أو الأوبئة المرضية التي عصفت بالعالم مؤخراً، الترابط والاعتماد المتبادل بين الإنسان وشبكات الحياة المحيطة به، ويظل السؤال هو: هل نعرف حقاً أهمية التنوع البيولوجي؟

وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن ندرك الارتباط القوي بين التنوع البيولوجي والإنسان، فالتنوع البيولوجي هو الأساس الذي يدعم جميع أشكال الحياة على الأرض وتحت سطح الماء، فهو يؤثر على كل جانب من جوانب صحة الإنسان، ويوفر الهواء النقي والمياه، والأغذية اللازمة لاستمرار حياة الانسان، والفهم العلمي ومصادر الأدوية، ومقاومة الأمراض الوبائية، والتخفيف من وطأة تغير المناخ، ويؤثر تغيير أو إزالة عنصر واحد من هذه العناصر على نظام الحياة بأكمله، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب سلبية ووخيمة.

وللأسف، فقد غيّرت الأنشطة البشرية، بشكل كبير، ثلاثة أرباع سطح الأرض، وثلثي مساحة المحيط، فبين عامي 2010 و2015، اختفى 32 مليون هكتار من الغابات، وفي الـ150 سنة الماضية، انخفض غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، ويذوب الثلج الجليدي بمعدلات مدهشة، بينما يزداد تحمض المحيطات، مما يهدد إنتاجية المحيط، وتختفي أنواع الحياة البرية الآن عشرات إلى مئات المرات أسرع مما كانت عليه في الـ10 ملايين سنة الماضية، ونحن على وشك الانقراض الجماعي، وإذا ما واصلنا السير على هذا المسار، فسيكون لفقدان التنوع البيولوجي آثار خطيرة على البشرية، بما في ذلك انهيار أنظمة الغذاء والصحة.

وقد أكد ظهور جائحة «كوفيد-19» حقيقة أننا عندما ندمر التنوع البيولوجي، فإننا ندمر النظام الذي يدعم حياة الإنسان، واليوم يُقدر أن حوالي مليار حالة إصابة بالمرض وملايين الوفيات تحدث كل عام بسبب الأمراض التي تسببها الفيروسات التاجية، وأن حوالي 75 في المائة من جميع الأمراض المعدية الناشئة في البشر هي أمراض حيوانية، مما يعني أن أمراض الحيوانات تنتقل إلى البشر بفعل الخلل البيولوجي الذي تسبب فيه الانسان بالأساس.. إن الطبيعة ترسل لنا رسالة، وتؤكد لنا أنه حان وقت الاهتمام بها من جديد، لتوفير مزيد من الرعاية والاهتمام بالتنوع البيولوجي، لتحسين وحماية حياة الإنسان في المقام الأول، من خلال حماية هذه الأرض التي تحتضننا.

ويكفى الآثار الاقتصادية السلبية التي تسببت فيها «كورونا»، فالحظر الجزئي أو الكلي، الذي لجأت إليه دول العالم المختلفة، كل حسب ظروفه، للحد من تفشي هذا الوباء، أفرز تباطؤ غير مسبوق في معدلات النمو، إضافة إلى وقف أنشطة السياحة والرياضة والطيران، وتقريباً معظم الأنشطة الاقتصادية، التي أثرت بدورها على تنفيذ الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، التي اصطلح على تسميتها بأجندة ما بعد عام 2015 ، خاصةً أن معظم التقارير التي صدرت حتى الآن، حول تقييم جهود التنمية المستدامة، إنما تشير كلها إلى ضعف الأداء، مما يهدد فرص تحقيق هذه التنمية المستدامة بحلول 2030، لذا فإن هناك ضرورة قصوى على دعم وتحفيز التعاون والشراكة الإقليمية، وخاصةً فيما بين الدول العربية الأفريقية والدول الأوروبية المختلفة، في محاولة جادة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.

وللأسف، لم تتوقف الآثار السلبية لـ«كورونا» عند حدود الآثار الاقتصادية والتنموية، بل تجاوزتها لتعصف بالمجتمعات الإنسانية، حيث فقد الملاين وظائفهم، وزادت نسبة الفقر، وتضررت تقريباً كل الفئات المجتمعية، خاصة تلك الأكثر هشاشة مثل الطفل والمرأة وكبار السن وذوى الإعاقة، وقد أفرزت هذه الجائحة بعض المظاهر الإيجابية، فوجدنا المجتمع المدني في العالم كله ينتفض وينشط، سواء في جمع التبرعات للأسر الأكثر احتياجاً، أو مساعدة المعزولين في بيوتهم، من حيث توفير الطعام والاحتياجات اليومية، ليس هذا فحسب، بل قامت بعض المنظمات بتوفير مبان تم تحويلها إلى حجر صحي، مع توفير كافة مستلزمات الوقاية، وخاصةً للأطقم الطبية في العديد من المستشفيات.

ويحتفل المنتدى المصري للتنمية المستدامة هذا العام بهذه المناسبة الهامة، كما تعود دائماً، من خلال تدشين العديد من الفعاليات التي ينظمها من خلال تنفيذ العديد من الأنشطة التوعوية والتدريبية، وكلها تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي، وإعداد الكوادر البشرية الشبابية القادرة على توفير هذه الحماية، مستخدمة في ذلك كافة الوسائل التكنولوجية، التي تدعم عمليات التباعد الاجتماعي للحد من انتشار فيروس كورونا، حيث تم في هذا السياق تنظيم مجموعة من «الويبينار» الوطنية، التي تضمن تحقيق أهداف يوم البيئة العالمي، ونشر الوعي حول أهمية حماية التنوع البيولوجي، الذي يعد القاطرة التي تسحب التنمية المستدامة بقوة.

واذ يؤكد المنتدى المصري للتنمية المستدامة، من خلال هذا البيان، على حتمية التلاحم والتعاضد فيما بين كافة مؤسسات المجتمع المدني، وكافة أطياف القطاع الخاص، وكذا الحكومة، والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية، لتحقيق الأهداف التي يسعى يوم البيئة العالمي إلى ترسيخها هذا العام، والتي تتمحور حول الاهتمام بالطبيعة وحماية التنوع البيولوجي.. فالشراكة أحد أهم المداخل، بل وأهمها، لتحقيق هذه الأهداف، وهي ضمانة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في نفس الوقت.

ولابد وأن نعى أننا حينما نتحدث عن ضرورة حماية التنوع البيولوجي، فإننا نتحدث عن 8 ملايين نوع من النبات والأنواع الحيوانية، فضلاً عن النظم الإيكولوجية التي تأويها جميعاً، والتنوع الجيني فيها.. ولابد وأن ندرك أنه في الـ150 سنة الماضية، انخفض غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف.. وأنه خلال السنوات العشر المقبلة، ربما ينقرض واحد من كل أربعة أنواع معروفة من على الأرض.. وأننا نحتاج إلى موارد تعادل ما يوجد على الأرض مرة ونصف، أو 1.6 من حجم الأرض، لتلبية المطالب التي يحتاجها الإنسان من الطبيعة سنوياً.. من كل هذا يكتسب الاحتفال بيوم البيئة العالمي لهذا العام زخماً قوياً واهتماما كبيراً، لأننا لم نعد نمتلك رفاهية التقصير مجدداً في حق الأرض التي نحيا فوقها.