“مدريد 2019” يضع مناخ الكوكب أمام مفترق طرق.. إما “اللا عودة” وإما “العزم المستدام”
وضع مؤتمر الأطراف الـ25 لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 25) كوكب الأرض أمام مفترق طرق فيما يتعلق بإجراءات الحد من تداعيات التغيرات المناخية، ومنع ارتفاع درجة الحرارة بنهاية القرن الحالي، بأكثر من 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وتعزيز تمويل العمل المناخي، حيث يتعين على البشرية أن تسير في أحد طريقين لا ثالث لهما، إما “الاستسلام” بالوصول إلى نقطة “اللاعودة”، وإما طريق “الأمل والعزم المستدام”.
واستهل مؤتمر “مدريد 2019″، الذي بدأت فعاليته في الثاني من ديسمبر واستمرت لمدة أسبوعين، أعماله باستعراض تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بشأن حالة المناخ للعام الجاري، جاء فيه أن عام 2019 يختتم عقداً غير مسبوق من الاحترار العالمي، وانحسار الجليد، وارتفاع مستويات سطح البحر، بسبب غازات الاحتباس الحراري الناتجة علن الأنشطة البشرية، وارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية على مدار عامي 2018 و2019.
وبينما اعتبر تقرير المنظمة العالمية أن عام 2019 “على وشك” أن يصبح العام الثاني أو الثالث الأكثر دفئاً على الإطلاق، فإنه “من شبه المؤكد” أن متوسط درجات الحرارة لفترة الـ5 سنوات بين 2015 و2019، وكذلك فترة الـ10 سنوات بين 2010 و2019، سيكون الأعلى منذ بدء تسجيل درجات الحرارة على كوكب الأرض، كما أكد التقرير أن متوسط درجة الحرارة خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2019، كان أعلى من فترة ما قبل الثورة الصناعية بمقدار 1.1 درجة مئوية.
وفي كلمته الرئيسية أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر (COP 25) بالعاصمة الإسبانية مدريد، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه يجب على البشرية أن تختار طريق “الأمل:، وعدم الاستسلام على طريق “اللا عودة”، من خلال البحث عن حلول غير تقليدية ومستدامة، مؤكداً أن “الاقتصاد الأخضر” ليس شىء يمكن خشيته، بل يمثل فرصة ينبغي علينا تبنيها واستغلالها جيداً، وهو ما يمكن أن يعزز جهودنا لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة.
منظمة الأرصاد الجوية: 2019 ضمن “الأكثر حرارة”.. و”غوتريش”: حياد الكربون طريقنا الوحيد”
وأكد الأمين العام أن الطريقة الوحيدة للحد من ارتفاع الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة بحلول نهاية هذا القرن، تتمثل في “الإبقاء على المزيد من الوقود الأحفوري في داخل الأرض”، وتابع بقوله: “نحن في طريقنا إلى حياد الكربون بحلول 2050″، لافتاً إلى أن مؤتمر الأطراف يهدف إلى تحقيق تقدم بشأن البنود الرئيسية، وخاصةً المادة السادسة من “اتفاق باريس″، والتي تحدد الطرق التي يمكن أن تتعاون من خلالها الدول طوعاً لمكافحة تغير المناخ، وتوليد الاستثمار، وتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح “غوتيريش” أن “تفعيل المادة السادسة سيساعد على تنشيط الأسواق، وتعبئة القطاع الخاص، والتأكد من أن القواعد هي نفسها بالنسبة للجميع، أما الفشل في التوصل إلى توافق فسوف يؤدي إلى تجزئة أسواق الكربون، وتوجيه رسالة سلبية يمكن أن تقوض جهودنا المناخية الشاملة”، داعياً جميع الأطراف إلى التغلب على الانقسامات فيما بينها، وإيجاد تفاهم مشترك بشأن هذه المسألة، ودعا إلى استكمال العديد من المسائل الفنية، لتحقيق التشغيل الكامل لـ”إطار الشفافية” بموجب اتفاق باريس.
وشدد على ضرورة أن يثبت مؤتمر الأطراف الـ25 للعالم تصميماً حازماً على تغيير المسار، من خلال الالتزام بوقف الحرب ضد الطبيعة، وقال: “نمتلك الإرادة السياسية للوصول إلى حياد الكربون بحلول عام 2050″، معرباً عن توقعه أن تتمكن جميع الحكومات من الالتزام بمراجعة مساهماتها المحددة على المستوى الوطني، مع الطموح اللازم لهزيمة الطوارئ المناخية، والطموح في التخفيف، والتكيف، والتمويل، في الطريق إلى مؤتمر الأطراف (COP 26) في غلاسجو بالمملكة المتحدة العام المقبل.
وتضمنت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة نداءً إلى قادة العالم، قال فيه: “لقد كان وعداً رسمياً، فلنفتح آذاننا للجمهور الذي يطالب بالتغيير، ولنفتح أعيننا على التهديد الوشيك الذي يواجهنا جميعً، دعونا نفتح عقولنا لإجماع العلم، لا يوجد لدينا وقت، ولا يوجد سبب للتأخير، لدينا الأدوات، لدينا العلم، لدينا الموارد، دعونا نظهر أن لدينا الإرادة السياسية التي يطلبها الناس منا، إن القيام بأي شيء أقل من ذلك سيكون خيانة للبشرية بأكملها، ولجميع الأجيال القادمة”.
وبينما أكد أن “اختيار طريق الأمل ليس مهمة شخص واحد، أو صناعة واحدة، أو حكومة واحدة فقط، بل مهمة جماعية”، فقد أعرب “غوتيريش” عن تفاؤله بتراجع بعض الحكومات والمؤسسات والشركات عن استخدام الوقود الأحفوري، ومنها “بنك الاستثمار الأوروبي”، الذي أعلن عن وقف تمويل أي مشروعات في هذا القطاع قبل نهاية 2021، إلا أنه تابع بقوله: “مازلنا ننتظر حركة تحويلية من معظم بلدان مجموعة الـ20، والتي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع الانبعاثات العالمية”.
وحظيت أعمال مؤتمر الأطراف الـ25 لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ “مدريد 2019” بمشاركة كبيرة من جانب الدول العربية، حيث كانت وزيرة البيئة المصرية، الدكتورة ياسمين فؤاد، من بين المشاركين في القمة الرئاسية للمؤتمر، حيث استعرضت دور مصر في قمة العمل المناخي، التي عقدت بمقر الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث كانت تترأس ملف “التكيف والمرونة”، بالمشاركة مع المملكة المتحدة، كما طالبت بضرورة توفير التمويل اللازم للدول النامية، لتتناسب مع مستوى الطموح الخاص بالدول المتقدمة، ولتتمكن الدول النامية من الوفاء بالتزاماتها تجاه اتفاق باريس.
“فؤاد” تحث على توفير التمويل للدول النامية وتؤكد: مصر قفزت للمركز 24 بدليل الأداء لتغير المناخ
أكدت وزيرة البيئة على أهمية هذه المفاوضات التي شهدها مؤتمر (COP 25) في التوافق بين الدول المتقدمة والنامية، لبذل المزيد من الجهود للتصدي للتغيرات المناخية، مشيرةً إلى أن المشاركة في المؤتمر تعد استكمالاً لدور مصر في دفع ملف “التكيف” ضمن أهم الموضوعات التي سيتم مناقشتها خلال الجلسات خاصة، بعد نجاحها في حشد أكثر من 110 دول لاعتماد “الإعلان السياسي” الصادر عن قمة المناخ، بالإضافة إلى حشد مصادر تمويل إضافية للتكيف، من خلال شركاء التنمية.
وأوضحت “فؤاد”، خلال كلمتها بالمؤتمر، أنه يجب أن يكون هناك توازن في عملية الإبلاغ عن ما تم من قبل الدول النامية، وما يتم توفيره من تمويل من قبل الدول المتقدمة، وأضافت بقولها: “إن رسالتنا للعالم خلال هذا المؤتمر، أن الشباب يلعب دوراً محورياً في التصدي لقضية تغير المناخ، وهذا الدور يتجسد في أن مصر، خلال منتدى شباب العالم هذا الشهر، تضع قضية تغير المناخ ضمن الأجندة الخاصة بها، وذلك لرفع وعي الشباب بأثر تغير المناخ على الإنسانية”.
وفي تصريحات لها بالقاهرة، بعد عودتها من مدريد، نقلها بيان صدر عن مكتبها، أكدت وزيرة البيئة أن مصر قفزت 4 مراكز في قائمة “دليل الأداء لتغير المناخ” لعام 2019، لتحتل المركز الـ24، من أصل 57 دولة تضمنها التقرير على مستوى العالم، وأرجعت ذلك إلى السياسة الوطنية التي تنتهجها مصر للتصدي لأثار التغيرات المناخية، وأوضحت أن دليل الأداء يتكون من 14 مؤشراً لقياس التقدم المحقق في 4 مجالات تتعلق بالتغيرات المناخية، وهي: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والطاقة الجديدة والمتجددة، واستخدام الطاقة، والسياسات المناخية.
ولفتت “فؤاد” إلى أن مصر حصلت على مجموع نقاط يبلغ 57.49 نقطة في دليل الأداء لتغير المناخ للعام الجاري، مما جعلها تدخل ضمن قائمة الدول مرتفعة الأداء، حيث أحرزت نجاحاً في مجال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري باحتلالها المركز الخامس محققة 33 نقطة، كما تقدمت في مجال استخدام الطاقة باحتلالها المركز الثامن، واعتبرت أن تحقيق هذا المركز المتقدم جاء نتيجة لتنفيذ عدد من المشروعات البيئية الكبرى، منها محطة “بنبان” للطاقة الشمسية، ومحطة “جبل الزيت” لتوليد الطاقة من الرياح.