لماذا يموت الرجال قبل النساء؟.. “المناعة” كلمة السر
في تقييمها السنوي الأخير لخطورة الإصابة بأمراض الأنفلونزا، أوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة الأخذ في الاعتبار جنس المريض، فعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بأن الرجال عادةً ما يحبون المبالغة في الإحساس بشدة المرض، إلا أنهم عموماً أضعف من النساء، فيما يخص الصحة العامة، بل إن ممثلي الجنس الأقوى، أي الرجال، كثيراً ما يحتاجون لدخول المستشفى لعلاج الأمراض الفيروسية، وأحياناً ما يعانون من وفيات ناجمة عن المضاعفات.
وخلصت تجربة أجراها فريق من الأطباء البريطانيين على 1700 متطوعاً مصابين بمسببات أمراض معوية حادة، من الجنسين، إلى مجموعة من الاستنتاجات حول شدة المرض، من خلال تسجيل الأعراض المصاحبة لتلك المسببات وفحص المتطوعين بعناية شديدة، وأظهرت مقارنة آراء الأطباء وشكاوى المرضى أن الرجال يبالغون في كثير من الأحيان في التعبير عن شعورهم بالضيق، بينما أبدت النساء مزيداً من التكيف مع مسببات المرض على نحو أكبر.. كما أظهرت العديد من الإحصائيات الطبية أن الرجال هم الأكثر عرضة للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، ويحتاجون ضعف الوقت اللازم للتعافي من البرد والإنفلونزا.
وتوصل علماء من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الاستجابة المناعية للعدوى الفيروسية لدى الرجال أضعف بكثير من النساء، بسبب ارتفاع مستوى هرمون “التستوستيرون”، لأنه يمنع إنتاج الأجسام المضادة، حيث أجرى المتخصصون فحص دم لـ54 امرأة و37 رجلاً قبل التطعيم ضد الإنفلونزا، و28 يوماً بعد التطعيم، ليجدوا أن الرجال قد غيّروا نشاط العديد من الجينات المشاركة في تخليق الدهون، وحفّزوا تكوين الخلايا التي تثبط الاستجابة المناعية، علاوة على ذلك، فإن العلماء توصلوا إلى أن زيادة هرمون “التستوستيرون” في الدم، ترفع من قوة عمل الجينات، وتغير الاستجابة المناعية للجسم.
في المقابل، يصبح النساء أكثر عرضة لأمراض المناعة الذاتية، حينما تهاجم خلايا الجهاز المناعي أنسجة الجسم السليمة، ففي تجربة على الفئران، ثبت أن هرمون الجنس الأنثوي “استراديول” يساعد على تنشيط المناعة الفطرية، ويحمي الإناث من مضاعفات الإنفلونزا، لكنه في الوقت نفسه يحفز تكوين الخلايا الليمفاوية من النوع الثاني في رئات المصابين بالربو، وهي أحد المكونات الرئيسية للحصانة الفطرية، المسؤولة عن تطور رد فعل التهابي حين دخول البكتيريا المسببة للأمراض للرئتين، وعندما يكون هناك الكثير من هذه الخلايا المناعية ومستوى نشاطها مرتفع، يحدث الربو.
وقد تمكن العلماء الأمريكيون من التحكم بنشاط الخلايا الليمفاوية في الفئران، من خلال إدخال هرمون “التستوستيرون” إلى الفئران المريضة، وتحسين حالة الحيوانات بشكل كبير، وهو ما يفسر شيوع الربو بين النساء أكثر من الرجال، بينما لا يعاني الرجال منه عملياً بعد البلوغ، حيث يساعدهم مستوى “التستوستيرون” المرتفع على ذلك.
وتعتمد الفروق بين مناعة الإناث والذكور على العمر، فالعمليات الالتهابية وأكبر قوة للاستجابة المناعية هي من خصائص النساء في الفترة الفاصلة بين البلوغ وانقطاع الطمث، لكن حتى البنات الرضع يتمتعن بحماية أفضل من التهابات الجهاز التنفسي من الأولاد، بفضل حليب الأم.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد اكتشف علماء يابانيون أن نظام المناعة عند النساء يتقدم على نحو أكثر بطئاً، حيث أظهرت عينات الدم من 356 متطوعاً أصحاء، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و90 عاماً، انخفاض عدد الخلايا الليمفاوية لدى الرجال مع التقدم في السن، بينما ظهر ارتفاعها لدى النساء، وهذا هو السبب في ارتفاع متوسط أعمار النساء، بالنسبة لأقرانهم من الرجال.