تحت رعاية الإمام الأكبر وفي رحاب جامعة الأزهر
أسبوع التنمية المستدامة يحقق المعادلة بين مدن المستقبل والحفاظ على الموارد
بات واضحاً للجميع جهود كثير من الحكومات لتطبيق مفاهيم التنمية المستدامة وتضمينها بخططها وبرامجها التنموية، خاصةً في ظل التغيير السريع لاقتصاديات العالم، ونتيجة لحرص الحكومات على تحقيق تطلعاتها الحالية في ظل نظرة مستقبلية لمتطلبات الغد، فقد حرصت العديد من الدول، ومن بينها مصر، إلى تعظيم رؤيتها الاقتصادية المستدامة نحو حتمية إيجاد آلية لإحداث التوازن بين حاجات الإنسان الحالية ومحدودية الموارد الطبيعية، مع مراعاة الاستفادة من الموارد المتاحة والتقليل من حجم الإضرار بها.
ومن هذا المنطلق، يحرص المنتدى المصري للتنمية المستدامة، منذ تأسيسه، على المساهمة في تعزيز وتحسين آلية العمل نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكان من أوائل المؤسسات المدنية التي تشكلت بغرض تأسيس هيكل مدني يحرص على نشر مفاهيم التنمية المستدامة وآليات تحقيقها، ويبذل العديد من الجهود في سبيل ذلك، من خلال تكوين الشراكات، وتنفيذ حلقات الحوار، والتواصل البناء مع كل فئات المجتمع وبمختلف مؤسساته الحكومية والمدنية والخاصة.
وفي عام 2015، أطلق المنتدى مبادرة “الأسبوع الوطني للتنمية المستدامة”، بهدف طرح ومناقشة آليات وأدوات تحقيق الاستدامة مع الأطراف الشريكة وأصحاب المصلحة، من أجل الوصول إلى رؤى توافقية تعزز من قيم الاستدامة، لتكون أول مبادرة من نوعها للمجتمع المدني يتم تنفيذها بصفة دورية في مصر والعالم العربي، وهي المبادرة التي حظيت، منذ العام الأول، برعاية رئيس مجلس الوزراء، وباهتمام عدد كبير من الشركاء، بما يُعد إيذاناً بمولد إرادة سياسية حقيقية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتزايد الاهتمام بمبادرة “الأسبوع الوطني للتنمية المستدامة”، التى يتم تنفيذها في شهر يوليو من كل عام، لتتزامن مع الاحتفال بيوم البيئة العالمي، حيث جاء عقد الدورة الخامسة للمبادرة هذا العام في رحاب جامعة الأزهر، وتحت رعاية الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، تحت شعار “المدن المستدامة في إطار الحفاظ على الموارد”، لتحمل رعاية شيخ الأزهر الشريف لهذه المبادرة رسالة عظيمة، تعبر عن مدى حرص الإسلام على تعزيز الاستدامة، والحرص على معاملة الطبيعة ومواردها معاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال القادمة، وهي تعبر باختصار عن مفهوم التنمية المستدامة.
وأعقب افتتاح فعاليات أسبوع التنمية المستدامة يوم الاثنين 17 يونيو، تنفيذ مجموعة من الأنشطة الأخرى طوال الشهر الماضي، بالتنسيق مع المؤسسات الجامعية الأخرى، ومسؤولي شئون البيئة بالمحافظات، حيث بدأت فعاليات اللقاء بكلمة ترحيب من الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس مجلس أمناء المنتدى المصري للتنمية المستدامة، عبر فيها عن مدى تقديره لرعاية شيخ الأزهر لفعاليات الأسبوع الوطني الخامس، واستضافة اللقاء في رحاب جامعة الأزهر، إحدى أعرق الجامعات في مصر والعالم الإسلامي.
وفي إطار التأكيد على أهمية العمل على تأصيل مفهوم المدن المستدامة، ومدى ارتباطها بالحفاظ على الموارد، خاصةً في ظل النقلة العمرانية والحضارية التي تتم في مصر حالياً، والمتمثلة في عدد من المشروعات القومية الكبرى، كالعاصمة الإدارية الجديدة، أوضح “عدلي” أن المدن المستدامة هى تلك المدن التي تراعي الأثر البيئي، وهى التي تتميز بتقليل المدخلات المطلوبة لإنتاج الطاقة والمياه والغذاء، وبالتالي الحد من مصادر تلوث الهواء وانبعاثات الكربون، كما أنها بمثابة المدن التي تتحمل مسؤولياتها مسؤولية كاملة، ولا تلقي على الغير عبء استخداماتها.
وألقى الدكتور أسامة حسين، رئيس الإدارة المركزية لشؤون مكتب وزير الموارد المائية والري، الدكتور محمد عبدالعاطي، كلمة نيابة عن الوزير، أكد فيها على أهمية موضوع اللقاء، مشيراً إلى أن الحفاظ على الموارد ضرورة وواجب وطني، خاصةً الموارد المائية، باعتبارها أحد أهم القضايا والشواغل الرئيسية التي تواجه العالم أجمع، علاوة على أن قضية المياه في مصر هي قضية حياتية تمثل أهم ركائز الأمن القومي المصري والتنمية المستدامة، خاصة في ظل الفجوة المائية الكبيرة بين العرض والطلب، والتي تتجاوز 20 مليار متر مكعب، وأضاف: “هذا الأمر الذي يجعلنا جميعاً أن نلتف حول كل المؤسسات الحكومية والمدنية، والتي يأتي في مقدمتها المنتدى المصري للتنمية المستدامة، وأن ندعم مجهوداتها وأنشطتها نحو الحفاظ على الموارد، خاصةً المياه”.
كما رحب نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، الدكتور طارق محروس سلمان، بعقد فعاليات الأسبوع الوطني الخامس للتنمية المستدامة في رحاب الجامعة، معتبراً أن اللقاء هو نموذج لحالة التعاون والتكامل بين المؤسسات الجامعية والمدنية، بهدف تبادل الخبرات ونقلها، كما أنه يمثل جسراً قوياً من جسور التواصل بين طلبة وطالبات الجامعة وبين خبراء المنتدى، مؤكداً أن العلاقة بين الجانبين مستمرة سيتخللها تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة ضمن جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما أشار الأمين العام لمؤسسة بيت الزكاة، الدكتور صفوت النحاس، إلى أهمية أسبوع التنمية المستدامة، الذي يقوم المنتدى بتنفيذه للعام الخامس على التوالى، بهدف بناء الشراكات مع كل الجهات المعنية بقضية التنمية المستدامة، علاوةً على اهتمام المنتدى بالمؤسسات الجامعية، وحرصة على بناء الوعى ونشر النماذج المستدامة بين أوساط الشباب داخل الجامعات، حتى تكون نماذج ناجحة قابلة للتكرار، وشدد على ضرورة أن يكون هناك ترجمة واقعية لمثل هذه الشراكات على هيئة أنشطة تنفيذية لبرامج متنوعة في الصحة والتعليم والتغيرات المناخية، وغيرها من القضايا البيئية الهامة.
أما رئيس جامعة الأزهر، الدكتور محمد حسين المحرصاوي، فقد رحب بهذه المبادرة؛ لأهميتها الكبيرة في نشر الوعى بالتنمية المستدامة، مشيراً إلى ان جامعة الأزهر تتميز بقدرتها على نشر هذه الرسائل التنموية الهامة، لامتلاكها قاعدة تواصل كبيرة، حيث تضم طلاباً من 108 جنسيات أجنبية، بالإضافة إلى رئاستها مجلس إدارة الجامعات الأفريقية، تزامناً مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، مشيراً كذلك إلى أهمية الدور التنموي الذي تستطيع أن تقوم به المؤسسات الجامعية، باعتبارها إحدى مؤسسات القوى الناعمة، وأكد استعداد الجامعة لتأصيل جسور التعاون والتواصل البناء مع المنتدى المصري للتنمية المستدامة، مؤكداً على ضرورة وأهمية هذه الشراكة، ومؤكداً على الترحيب باحتضان كل الأنشطة التي سيقوم بها المنتدى في المستقبل، وذلك في إطار التعاون بين مشيخة الأزهر الشريف والجامعة والمنتدى.
وحول المحور الخاص بدور المؤسسات الجامعية في نشر الوعي بأهداف التنمية المستدامة، تحدث الدكتور طارق عيد، مستشار رئيس جامعة الأزهر لشئون البيئة، ورئيس لجنة خدمة المجتمع وتنمية البيئة بالجامعة، عن الأنشطة التي تقوم بها اللجنة، مشيراً إلى أنه يتم تنفيذ العديد من الأنشطة البيئية والاجتماعية المتنوعة داخل الجامعة، مثل حملات النظافة والتجميل والتشجير، بالإضافة إلى المعسكرات التدريبية التي يتم تنفيذها على مدار العام الجامعي، وشدد أيضاً على أهمية الدور الاجتماعي الذي تقوم به اللجنة، لخدمة أبناء الجامعة والمجتمع المحيط.
وفيما يتعلق بالمحور الخاص بالاستدامة في المدن، عرض الدكتور مجدي علام، الأمين العام للمنتدى، أهم المعايير التي يجب مراعاتها داخل المدن المستدامة، كما تم عرض التقرير الخاص بالمدن المستدامة “برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية”، وشدد كذلك على ضرورة أن تكون الأنشطة المقترح تنفيذها داخل الجامعة في إطار التعاون بين المنتدى والجامعة، بمثابة تأسيس نماذج للأبنية المستدامة، والتي يراعى فيها تطبيقات استدامة الموارد كالطاقة والمياه وغيرها.
كما أشارت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد الأخضر والعضو المؤسس للمنتدى، في عرضها حول البعد الاقتصادي للمدن المستدامة، إلى ضرورة مراعاة الأبعاد الاقتصادية في التنمية بوجه عام، خاصةً في مجالي النقل وتوليد الكهرباء، بهدف العمل على تقليل الانبعاثات الكربونية، مع العمل على نشر ثقافة النقل بالكهرباء، خاصةً في قطاع النقل الجماعي، علاوةً على ضرورة تبني شراكات جديدة مع القطاع الخاص لزيادة الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، بالموازاة مع تحسين منظومة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والعمل على ربطها بالصناعات المستدامة، مثل الطاقة الشمسية، وإعادة تدوير المخلفات الزراعية.
وبخصوص التعليم من أجل التنمية المستدامة، أوضح الدكتور عماد الدين عدلي الدور الهام لعملية التعليم، ومدى ارتباطها الوثيق بتحقيق التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن التعليم هو القادر على استيعاب التنمية المستدامة، وذلك من الناحية التطبيقية، والقادر على تغيير الثقافة الاستهلاكية وتقويمها تقويماً إنتاجياً واستهلاكياً بشكل سليم.
وعن معايير ونظم الطاقة المستدامة كمدخل لتحقيق استدامة المدن، تحدثت الدكتورة أنهار حجازي، خبير الطاقة والتنمية المستدامة، وعضو مؤسس المنتدى، عن أهم السياسات التي تقوم الدولة بالتخطيط والعمل عليها، من خلال البرامج والأنشطة التي يتم تنفيذها، بغرض تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وأهمية توفير بدائل مرشدة للطاقة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كما أشارت إلى المتطلبات الأساسية للارتباط بين نظم الطاقة وإمكانات تحقيق استدامة المدن، منها إنشاء شركات نقل متكاملة، تتولى عملية النقل بأكثر من طريقة وبأقل استهلاك للكهرباء، وتطبيق نظم حديثة لمراقبة الانبعاثات وضبط المحركات والإطارات، مما يحقق وفر في استهلاك الوقود، علاوة على ضرورة دعم شبكة السكك الحديدية، وتطبيق برامج مراقبة الجودة والصيانة والتشغيل، وتحديث نظم المراقبة لرفع درجة الأمان.
كما تحدث الدكتور أيمن فريد أبو حديد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق والعضو المؤسس للمنتدى، حول المحور الخاص بالمساحات الخضراء واستخدامات المياه، مشيراً إلى أهم السياسات المائية التي تعمل من أجل ترشيد استخدام المياه، وألقى الضوء على الجوانب الرئيسية التي يجب اتخاذها للحفاظ على المياه في استخداماتها المختلفة، وتحديداً في قطاع الزراعة، بالإضافة إلى أهمية تبني الزراعات التي يجب أن تتضمنها المدن المستدامة، كالتين والزيتون، والتي تتميز بكونها غير مستهلكة للمياه، مع ضرورة تصميم نظم لإعادة استخدام مياه الري داخل المدن المستدامة.
وعن قضايا النقل المستدام، أوضح الدكتور أحمد الضرغامي، من مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا “سيداري”، أهمية نظم النقل الذكي في مصر، نتيجةً للتحديات الكبيرة في قطاع النقل، وما يسببه من أضرار اقتصادية وبيئية، والتي من الممكن أن يتم علاجها بتطبيق منظومة النقل الذكي.
وفي جلسة نقاشية، أداراها الدكتور المحمدي عيد، خبير البيئة الدولي ونائب رئيس المنتدى، خرج اللقاء بمجموعة من التوصيات الهامة، والتي أبرزها الدكتور محمد محمود، الخبير الإعلامي والعضو المؤسس للمنتدى، في عدد من النقاط المحورية، كان من أهمها الاتفاق على تشكيل لجنة علمية برعاية الأمام الأكبر شيخ الأزهر، تضم ممثلين من جامعة الأزهر وبيت الزكاة والمنتدى، بغرض إعداد مقترح لبروتوكول تعاون فيما بينهم، ينبثق منه حزمة من البرامج والأنشطة يتم تنفيذها خلال العام الجامعي الجديد، كما تم التوصية بأهمية الدور الإعلامي للتوعية بالتنمية المستدامة وآليات تحقيقها، وإطلاق نماذج استرشادية لبعض الممارسات الخضراء، و منها زراعة الأسطح، وتدوير المخلفات الزراعية، حتى يمكن تكرارها.
كما امتدت فعاليات الأسبوع الوطني الخامس للتنمية المستدامة إلى عدد من المحافظات، حيث وجه المنتدى المصري دعوات لعدد من المحافظين ورؤساء الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في أنشطة أسبوع التنمية المستدامة خلال شهر يونيو الماضي، حيث تم التنسيق مع جامعات القاهرة وبنها ودمنهور وقناة السويس وبني سويف، لتنفيذ حملات للتشجير، ضمن حملة المليون شجرة مثمرة، بالتعاون مع نقابة الزراعيين، وذلك بمعدل 100 شجرة مثمرة بكل جامعة، كما قامت جمعية تنمية المجتمع بدندرة، بالتعاون مع فرع جهاز شئون البيئة بمحافظة قنا، بعقد ندوة تثقيفية للتعريف بأهداف التنمية المستدامة وآليات المساهمة في تحقيق “رؤية مصر 2030″، بحضور مدير مجمع إعلام قنا، فاطمة عاشور، كما شهدت قنا أيضاً ندوة أخرى، عقدها فرع المجلس القومي للمرأة بالمحافظة، بإشراف الدكتورة هدى سعدي ، للتعريف بأهمية دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة.