+20225161519 [email protected]

مشروع “التغيرات المناخية”.. مبادرة مصرية لمواجهة نقص مياه الري

تحديات كبيرة تفرضها التغيرات المناخية على الأمن الغذائي في مصر، حيث أن الأساليب الزراعية الحالية لا يمكنها التأقلم مع التقلبات الجوية الحادة، كما أن نقص مياه الري أحد العوامل التي تتسبب في تدهور الإنتاجية لكثير من المحاصيل الرئيسية، الأمر الذي بدأت تلتفت إليه الأجهزة الحكومية المعنية، التي وجدت نفسها تخوض غمار معركة ضارية في مواجهة تلك التحديات، من خلال استزراع سلالات جديدة لبعض المحاصيل، يمكنها مقاومة التقلبات الجوية الحادة، سواء صيفاً أو شتاءً.

وبادرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ممثلة في الجهاز التنفيذي لمشروعات التنمية الشاملة، بتنفيذ مجموعة من النماذج العملية في 50 قرية من القرى الأكثر احتياجاً بعدد من محافظات الصعيد، منها أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان، بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، وصندوق التكيف مع التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، وقد تم اختيار تلك القرى وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ضمن مشروع “التغيرات المناخية”، الذي بدأ تنفيذه منذ أواخر عام 2013، بتكلفة تجاوزت أكثر من 6 ملايين دولار، بهدف بناء آليات للتأقلم مع التغيرات المناخية في قطاعات الإنتاج الزراعي، لخلق مجتمعات ريفية أكثر إنتاجية، لديها القدرة على التكيف مع التقلبات الجوية.

وعلى مدار ما يقرب من 6 سنوات، قدم مشروع “التغيرات المناخية” عدداً من الحقول الإرشادية لزراعات القمح والقصب والذرة الرفيعة، باستزراع سلالات أكثر قدرة على التأقلم مع تغيرات المناخ، وباستخدام أساليب زراعية حديثة، تعتمد على الزراعة على “المصاطب”، مع تقليل تكاليف مدخلات الإنتاج من أسمدة ومياه الري، وبإشراف مجموعة من خبراء معهد بحوث المحاصيل الحقلية، الأمر الذي حقق نجاحات غير مسبوقة، من خلال زيادة إنتاجية الفدان بنسبة تزيد على 30%، فضلاً عن إنتاج محاصيل لديها قدرة كبيرة على تحمل الصدمات الحرارية.

وأكد مدير مشروع “التغيرات المناخية”، المهندس عثمان الشيخ، أن المشروع الذى بدأ تنفيذه قبل 6 سنوات، مستمر في تحقيق أهدافه، بالتعاون مع مديريات الزراعة والري بالمحافظات المستهدفة وعدد من الجمعيات الأهلية، بهدف إعداد مجتمع زراعي قادر على تنفيذ آليات لتحسين الوضع الغذائي، تحت ظروف التغيرات المناخية، ويعمل على تقديم مجموعة من الآليات البسيطة، للحد من آثارها على الإنتاج الزراعي والحيواني في صعيد مصر.

وقال “الشيخ” إن المشروع يعتبر بمثابة إنذار مبكر للتنبيه بالتقلبات الجوية غير الاعتيادية خلال السنوات الأخيرة، ويهدف إلى الحد من تأثيراتها السلبية على قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، مشيراً إلى أن المشروع لا يقتصر فقط على تقديم الحقول الإرشادية، وإنما قام بإنشاء 20 وحدة للإنذار المناخي المبكر في محافظات الصعيد، 14 منها توجد في الجمعيات الأهلية الشريكة، بالإضافة إلى 5 وحدات أخرى موجودة في مديريات الزراعة بالمحافظات التي يجرى تنفيذ المشروع بها، ويتم نشر التوصيات الصادرة من هذه المحطات من خلال وحدات الإذاعة المحلية، وعن طريق شبكة المرشدين الزراعيين.

ولضمان الاستمرارية، أوضح مدير المشروع أنه يتم تدريب القائمين على تشغيل هذه الوحدات على مهارات الحاسب الآلي، والاتصال الفعال، بالإضافة إلى مهارات المدرب المحترف، بالتعاون مع الجامعات الإقليمية، فضلاً عن تقديم بعض العروض المسرحية في القرى المستهدفة، بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة، حضرها آلاف المزارعين، ولفت إلى أن المشروع في مرحلته الأولى يستهدف 50 قرية في 5 محافظات، كما يجري التخطيط والبحث عن دعم جديد لاستهداف 500 قرية أخرى في المستقبل القريب، لتنفيذ التجربة بها، وتعميمها في مختلف قرى الصعيد.

وأضاف “الشيخ” أن المشروع يستهدف 12 ألف فدان كحقول إرشادية في تلك المحافظات، واستخدامها في زراعة القصب والقمح والذرة الشامية والنباتات العطرية، بواقع 2000 فدان في كل عام، وأكد أن المشروع حقق نتائج وطفرة كبيرة في زيادة إنتاج المحاصيل، من خلال إتباع الأساليب الحديثة في الزراعة، واستخدام سلالات جديدة من البذور، تم جلبها من مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة.

وفي مجال ترشيد استهلاك المياه، التي تُعد أهم مدخلات الإنتاج الزراعي، أشار مدير مشروع “التغيرات المناخية” إلى أن العديد من الدراسات أكدت ارتباط زيادة الحاجة لمياه الري بالموجات الحرارية غير الاعتيادية، التى تتعرض لها المزروعات، ولذلك استهدف المشروع تبطين مجموعة من المساقي بأطوال إجمالية بلغت 30 ألف متر، لخدمة آلاف المزارعين، حيث تصلهم مياه الري دون مشاكل أو إهدار، كما تم إنشاء 6 محطات ري تعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تسوية 20 ألف فدان بـ”الليزر”، مما أدى إلى توفير حوالي 30% من مياه الري، بالتعاون مع جهاز تحسين الأراضي، ويجري حالياً الإعداد لتشغيل مجموعة من وحدات ضخ المياه بالطاقة الشمسية، بالتعاون مع مركز إدارة الطاقة بجامعه أسيوط.

ومن جانبه، قال الدكتور محمد سيد حسن، رئيس قسم المحاصيل بكلية الزراعة في جامعة قنا، إن مشروع التغيرات المناخية أدى إلى تأثيرات إيجابية على إنتاجية الكثير من المحاصيل، بما فيها القصب والقمح، بالإضافة إلى تحسين جودة المحصول، معرباً عن أمله فى أن تلقى مثل هذه المبادرات مزيداً من الاهتمام، داعياً الأجهزة الحكومية المعنية إلى سرعة العمل على استنباط محاصيل جديدة مقاومة للتقلبات الجوية الحادة، لدعم استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن الغذائي.