+20225161519 [email protected]

تحضيراً لمنتدى بيروت.. اجتماع تشاوري عربي لمواجهة تداعيات تغير المناخ

يتزايد تعرض المنطقة العربية لآثار تغير المناخ بشكل حاد، حيث يتم تقييم مدى الضعف المتوقع من المعتدل إلى الأعلى في جميع أنحاء المنطقة بصورة دورية، وتعد مناطق الساحل والقرن الأفريقي وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية هي الأكثر تعرضاً للضرر في المنطقة، مما يؤثر سلباً على المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، والرعاة الذين يحاولون بالفعل التعامل مع قاعدة الموارد الطبيعية المتدهورة، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج وكذلك الدخول في المناطق المعرضة للخطر، وتمثل القدرة على تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية الهم الأكبر في هذا السياق.

في هذا الإطار، نظمت جامعة الدول العربية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” اجتماعاً تشاورياً حول قضية التغيرات المناخية في بيت الأمم المتحدة بالعاصمة اللبنانية بيروت، على مدار يومي 21 و22 مارس 2019، ضمن الاجتماعات التحضيرية للمنتدى العربي للتنمية المستدامة، وتوطئة لتقديم التقرير العربي الشامل إلى المنتدى السياسي رفيع المستوى للتنمية المستدامة، والمقرر عقده في نيويورك خلال شهر يوليو القادم.

وقد شارك في الاجتماع العديد من المسؤولين وخبراء تغير المناخ من مختلف الدول العربية، علاوة على ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني، وأصحاب المصلحة، حيث ركز الاجتماع على أهمية أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمناخ، في إطار أجندة ما بعد 2015 وحتى عام 2030، والتي تدعو إلى اتباع نهج قائم على تأمين الحقوق في المياه والطاقة والأمن الغذائي، في ظل تفاقم مشكلة تغير المناخ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بطريقة متكاملة وشاملة.

وقد تضمنت الوثيقة الختامية مختلف الآراء الإقليمية بشأن قضايا تغير المناخ وأولوياته، من خلال تبادل الخبرات بشأن الجهود الوطنية والإقليمية؛ لتعزيز العمل المناخي في سياق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، حيث أسفر الاجتماع عن مجموعة من الرسائل الرئيسية، أهمها الاشارة إلى أن درجات الحرارة في المنطقة العربية آخذة في الازدياد، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع حتى نهاية القرن، مما يؤثر سلباً على أنماط هطول الأمطار من حيث التباين بين الفترات الفصلية والسنوية، وزيادة ندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتأثير على تكرار وشدة الظواهر الجوية القاسية، مع التأكيد على ضرورة بناء القدرة على التكيف؛ لتعزيز قدرة المجتمعات الضعيفة على مواجهة التأثير السلبي لتغير المناخ على المجتمعات الساحلية، وكذلك على صغار المزارعين، ومجتمعات السكان الأصليين، والرعاة الذين يسعون بالفعل للتكيف مع قاعدة الموارد الطبيعية المتدهورة.

وبينما أشار الاجتماع إلى أنه رغم أن المنطقة العربية لا تسهم إلا بنحو 5% فقط من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم ، إلا أنها واحدة من أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ، وتضمنت الرسائل كذلك أنه لم يعد من الممكن فصل التقدم المحرز في الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلق بالطاقة، عن الأهداف الإنمائية الأخرى، حيث أنه شرط أساسي لتحقيق تقدم مستدام، وتُعد معالجة ضعف الطاقة في المنطقة العربية إحدى أولويات التنمية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من نجاح خطة عام 2030.

ودعا الاجتماع التشاوري حكومات الدول العربية لتعزيز التعاون مع أصحاب المصلحة الآخرين؛ لضمان التنفيذ المتسق لإطار “سينداي” و”اتفاق باريس″، وهما أمران ضروريان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، علاوة على التركيز على إجراءات التكيف لبناء المرونة وتقليل التعرض للآثار الضارة لتغير المناخ مع تعزيز إدارته، حيث تعد الإدارة المتكاملة للمياه والطاقة والغذاء والخدمات ذات الصلة ضرورية للتكيف مع آثار تغير المناخ وتخفيفها على المستوى المحلي.

كما نبهت تلك الرسائل إلى أن تغير المناخ ظاهرة معقدة لها آثار أمنية تحتاج إلى النظر في الآثار المترتبة على الهشاشة وضعف القدرة على التكيف، مع تحليل مخاطر المناخ عبر الحدود، وضرورة النظر اليه في سياق إقليمي، والحاجة إلى تخطيط متكامل يستند إلى فهم واضح لتلك المخاطر، كما ينبغي للسياسات المتعلقة بالمناخ تعميم أهداف القضاء على الفقر وتوظيفها، والأخذ في الاعتبار احتياجات النساء، وسبل المعيشة الريفية، والحد من مخاطر الكوارث، وكذا منح الشباب الفرصة للمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بتغير المناخ، والمشاركة كشريك إنمائي في العمل المناخي.

وناقشت الوثيقة أهمية متابعة إجراءات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثارها في المنطقة العربية بطريقة متكاملة، على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية، وفيما بين الدول، من خلال العمل على عدة أولويات إقليمية، في مقدمتها آثار تغير المناخ، والآثار المترتبة على تدابير الاستجابة لتعزيز المرونة، حيث تشمل تلك الأولوية تطوير استجابات التكيف مع تغير المناخ، التي تستند إلى فهم شامل لتداعياته على القطاعات الرئيسية، ومنها المياه والزراعة والبيئة والصحة والطاقة والتنوع البيولوجي والنقل، التي تأخذ في الاعتبار السياق الوطني، وكذلك إجراء المزيد من البحوث والإجراءات بشأن تأثير تغير المناخ على التنمية الحضرية المستدامة، وسد الفجوة المعرفية، بالإضافة إلى أهمية إدماج مخاطر المناخ في أنظمة الرعاية الصحية أثناء التخطيط وتقديم الخدمات.

وفيما يخص تدابير الاستجابة، ناقش الاجتماع ضرورة النظر في خيارات تخفيف التحول الاقتصادي، خاصةً بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات من الوقود الأحفوري، كجزء من سياسة مواجهة تغير المناخ، وكذلك زيادة المرونة وتقليل مواطن الضعف المرتبطة بظروف سوق الطاقة العالمية المتغيرة، كتنويع اقتصادات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، بعيداً عن الأنشطة القائمة على الوقود الأحفوري وتهيئة المجال لقطاعات بديلة، وكذلك تعديل مستويات وأنماط استهلاك الطاقة في جانب الطلب للاستخدام المحلي للطاقة على مستوى المستخدم النهائي، وعبر جميع القطاعات الاقتصادية بأنظمة الإدارة المستدامة، من خلال برامج تحديث الطاقة المصممة بشكل صحيح، بما في ذلك الجمع بين أدوات السياسة المحددة والأطر المؤسسية والتكنولوجيات الخاصة، بما يوفر أسرع الطرق وأكثرها كفاءة لخفض تكاليف الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإدارة الطلب على الطاقة على المدى الطويل.

كما شملت هذه الأولوية اهمية أن تعزز البلدان العربية عملية صنع القرارات الذكية المتعلقة بالمناخ، والتي تستند إلى التقدم التكنولوجي والمعلومات والبيانات المناخية، التي تلبي احتياجات القطاعات الحساسة للمناخ، حيث أن القيام بذلك يعزز التأهب ويقلل من الخسائر في الأرواح والممتلكات، ودعوة الدول العربية لتحسين استخدام المؤشرات البيئية الحالية، ودعم زيادة نشر هذه المؤشرات والإبلاغ عنها، من أجل دعم العمل المناخي، وكذلك إيلاء اهتمام أكبر لإدارة الفيضانات والتخطيط الحضري، بما في ذلك بناء البنية التحتية الساحلية المرنة، ووضع خطط لحماية المناطق الساحلية من التآكل في خطط التكيف الوطنية واستراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث، مع وضع وتنفيذ تدابير تكيف لدعم صغار المزارعين والصيادين والرعاة، من خلال تطوير ظروف تقنية وسياسية واستثمارية ملائمة؛ لتحقيق طرق مستدامة ومرنة وفعالة لتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ، عبر سلاسل القيمة لإنتاج الغذاء والتوزيع والاستهلاك.

وقد ناقشت الأولوية الثانية الروابط بين السياسات واتساق العمل المناخي، مع ضرورة أن تكون متابعة التكيف مع تغير المناخ بطريقة متكاملة في مختلف مجالات السياسات، مثل التنمية الزراعية، وإدارة موارد المياه، والإدارة القائمة على النظام الإيكولوجي والصحة، وتشجيع نهج الترابط للتخطيط، واتخاذ القرارات في مختلف القطاعات المناخية، والعمل على تطبيق الزراعة الذكية مناخياً على مستوى الإقليم، والتنفيذ على مستوى الدولة، وإنشاء آلية تنسيق فعالة من داخل الهيئات الإقليمية وفيما بينها، وفي حالة التنسيق بين الوزارات، وكذلك في حالة البلدان، مع ضمان الاتساق بين الطموحات المقدمة في المساهمات المحددة وطنياً وغيرها من الخطط والسياسات الإنمائية المتعلقة بالعمل المناخي، وكذلك تعزيز القدرة التحليلية لمعالجة التفاعلات المختلفة بين سياسة الطاقة وتغير المناخ والعلاقة بين الماء والطاقة والغذاء، لتعزيز النهج المبتكرة للسياسات المستدامة.

كما اهتمت الوثيقة بتعزيز التجارة الإقليمية في الطاقة بين الدول العربية مثل شبكات الكهرباء المترابطة، وما يترتب عليها من فوائد كبيرة لجميع الأطراف، بما في ذلك توفير قدر أكبر من الأمن في الإمداد، والحصول على الطاقة النظيفة المنتجة بكميات كبيرة لتكون اقل سعراً، وإمكانات كبيرة لخلق مزيد من فرص العمل الناجمة عن تطوير الصناعات التحويلية المحلية لمكونات التكنولوجيات من خلال زيادة التعاون الإقليمي في مجال الطاقة المتجددة.

وناقشت الأولوية الثالثة المبادرات التكنولوجية حيث شددت على تعزيز البحث والتطوير والابتكار في مجال الطاقة المتجددة مما يوفر فرصة واعدة لأن المنطقة العربية غنية بموارد الطاقة المتجددة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالتالي فإن الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة هذه يمكن أن يساعد الدول العربية على متابعة انبعاثات منخفضة وإمدادات آمنة وموثوقة وبأسعار معقولة من الطاقة، حيث تلعب التكنولوجيات الخضراء دوراً أساسياً في تحقيق أهداف مواجهة تغير المناخ (عالميًا وإقليميًا ووطنيًا) لتحقيق الازدهار في المنطقة العربية بشرط بذل جهود كبيرة للبحث والابتكار لتحديد التكنولوجيات المناسبة وتكيفها مع التحديات الحالية التي تواجه المنطقة، حيث يمثل الوصول إلى التمويل الأخضر التحدي الرئيسي لتطويرها ونشرها في المنطقة.

وفي سياق الحديث عن تمويل المناخ، ناقشت الوثيقة في تلك الأولوية، حاجة الدول العربية إلى الدعم للوصول إلى التمويل الدولي المناسب للمساعدة في تخفيف حدة تغير المناخ والتكيف معه، وأنه رغم تنوع

مصادر الأموال المتاحة لمساعدة البلدان النامية على دفع تكاليف أنشطة التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، فإن هناك خبرات محدودة في المنطقة العربية حول كيفية تأمين هذا التمويل والمتطلبات المرتبطة به، حيث تفتقد المنطقة إلى الحوافز المالية للاستثمار في تكنولوجيا أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وعدم وجود أسواق محلية لمواد عالية الجودة، في وجود شكل للرقابة التنظيمية القوية تستطيع تصحيح أنماط استخدام الطاقة، كما يجب تعزيز ودعم الالتزام الدولي بالتوزيع العادل والمنصف للموارد المالية، بما في ذلك المنح على النحو المنصوص عليه في “اتفاق باريس″، ويجب أيضاً أن تقوم الدول العربية باتباع إطار التعاون العالمي، مع ضرورة تحديد الاحتياجات بشكل أوضح، كشرط مسبق لتطوير مقترحات التمويل.

ودعت الوثيقة الى عدم تسييس تمويل المناخ، حيث تحتاج الدول العربية إلى الدعم للوصول إلى مصادر التمويل الدولي لكل من القطاعين العام والخاص، للمساعدة في تخفيف تغير المناخ والتكيف معه، كما يجب تخصيص منح مباشرة لدعم البلدان النامية في تطوير مشاريع قابلة للتمويل، لأنه لا يوجد حالياً ما يكفي في المنطقة، وذلك من خلال إنشاء صندوق مخصص لإعداد المشروعات وما يلزمها من تدفقات مالية، وكذا تشجيع تبادل المعرفة بين الدول العربية، للتعلم من التجارب الناجحة في الوصول إلى التمويل الدولي للمناخ.

وتم الاتفاق على ضرورة دعم الاستثمار في التخفيف من آثار تغير المناخ، من خلال الاستثمار في جمع وتوفير المعلومات والخدمات المناخية عالية الجودة، وعلى شركات التأمين أن تشارك بنشاط أكبر في التأمين الذي يغطي الكوارث، إلى جانب تشجيع العمل مع بنوك التنمية متعددة الأطراف، على تمويل المبادرات والبرامج؛ مما يساعد على انتشار استخدام التكنولوجيات والممارسات المصممة لتعزيز أهداف الشراكة.

واختتمت الوثيقة اولوياتها بمحور بناء القدرات، وعرضت إلى الحاجة لتطوير القوى العاملة العربية الماهرة لمواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ، وكذلك رفع قدرات الدول التي تتعرض لظواهر مناخية أكثر تطرفاً، لتدعيم قدرتها على الحد من مخاطر الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، مع تعزيز قدرة صانعي القرار الوطنيين في قطاعات الطاقة والمياه والغذاء والبيئة، وتصميم برامج بناء القدرات لتلبية الاحتياجات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، إلى جانب توفير مزيد من المعلومات الدقيقة والموثوقة، وزيادة الوعي وتغيير السلوك، وإيلاء مزيد من الاهتمام في سياسات الدول العربية المتعلقة بالمناخ.

كما شددت الوثيقة على اهمية وضع برامج تعليمية تستهدف الشباب، وتطوير برامج بناء القدرات لأصحاب المصلحة من القطاع الخاص، بما في ذلك القطاع المالي، وكذلك الحاجة إلى زيادة الوعي لإعلام المجتمع المدني بشأن تغير المناخ، ولمساعدته على الاستعداد لتأثيراته، علاوة على تعزيز الوعي العام بمخاطر الكوارث، وطرق الحد من التعرض للمخاطر وبناء المرونة على جميع المستويات، والعمل على تحسين جمع المعلومات والبيانات ونشرها، بما في ذلك بذل جهود نشطة لإذكاء الوعي بالتكاليف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأعمال المعتادة، وهو أمر بالغ الأهمية لاستدامة استخدام الموارد الطبيعية في المنطقة العربية، فضلاً عن تطوير المؤشرات وتكيفها مع أنظمة المستقبل، بما في ذلك الرصد والتقييم ووضع مؤشرات جديدة تعكس الروابط بين المياه والغذاء والمناخ، والاستثمارات في الطاقة النظيفة وغيرها من أشكال الطاقة.